سديم

32 1 0
                                    

هل يستطيع الإنسان العيش بدون حب؟هل يستطيع وأد أمانيه وأحلامه لمجرد أن البوح بها سيضعه في قفص الاتهام بأنه شخص مريض غير مسؤول و منحل أخلاقيا؟
لا أدري لما تجوب تلك التساؤلات في عقلي كل يوم طوال عشر سنوات فترة زواجي بأكرم؟  فليس سهلا على قلبي أبدا ما حدث، كلما فتحت عيني أعود بسرعة لأغمضها وأخبر نفسي أن ما أعيشه هو مجرد كابوس سينتهي عما قريب ثم أكتشف أنه حقيقيا، كل هذا العذاب والألم واقعا قد  فُرض على، كل يوم أنظر لصورة سارة وأخبرها أن تضحيتي كانت باهظة الثمن، وأن ذلك العهد الذي أخذته على نفسي أمامها لتطمئن فقط قد  كلفني الكثير، لا أنس أبدا ذلك اليوم وهى تمسك بيدي وتقبض عليها بكل قوة لتخبرني بأن أولادها أمانة في عنقي إن حدث لها أي شيء، كنت اعتدت على ذلك الموقف الذي حدث مرتين من قبل  في ولادة طفليها وكنت أطمأنها هذه المرة وهى تستعد لدخول حجرة العمليات.

أمي ذات قلب ضعيف لا يحتمل تلك اللحظات، كانت تترك تلك المهمة لخالتي ولي، أما هى فكانت تجلس في الحجرة بالمشفى تصلي وتدعو لسارة وتنتظرها دوما لتراها بعد الولادة، بينما كنت أنا  أظل واقفة معها وأجلس بجانب الحجرة ريثما تنتهي الطبيبة من إجراء عملية الولادة القيصرية لها، وهذا اليوم غابت خالتي لظروف مرضها  وكنت أنا وحدي معها،  وقالت لي تلك الكلمات وطمأنتها كعادتي لكنها لم تخرج كعادتها، تعثرت عملية الولادة ولم تستطع الطبيبة إنقاذها، في تلك اللحظة وجدت والدتي تصعد إلىَّ تعجبت من قدومها وسألتها عن السبب
قالت: أشعر بخطب ما، قُبض قلبي فجأة، هل تأخرت أختك بالداخل؟
‏ انفتح باب الغرفة حينها وخرجت الممرضة تهرول للخارج مسرعة، ركضت وراءها  وسألتها ما الأمر لم تجب على تساؤلي بل اكتفت بنظرة مليئة بالخوف، جاء الطبيب يركض وراء الممرضة وتبعه طبيبا آخر، لم تستطع أمي أن تتماسك أكثر من هذا فظلت تصرخ لكي  يتعطف أحدهم ويجيب علينا، انضم والدي الذي كان يجلس في كاڤيتريا المشفى حين سمع صوت صراخ أمي إلينا؛ ليهدئ من روع أمي ويخبرها أن تهدأ وأن الأمور ستكون بخير‏ إلا أنها لم تكن بخير أبدا.

‏دفعت أمي باب حجرة العمليات وولجت للداخل وأنا وراءها، ما إن رأتنا الطبيبة حتى شعرت بالذعر وركضت إلى ركن في الغرفة تبكي وتقول: ليس لي ذنب إنه أمر الله.
ركضت ناحيتها وأمسكتها من رقبتها وأنا أصرخ فيها أن تصمت وأن أختي بخير ولم يحدث لها أي شيء، ولكن تدخلت الممرضات ليسحبوني للخارج وامتلأت طرقات المشفى بصراخ أمي وبكاء أبي ورد فعل غير متوقع مني، كنت كالمجنونة أطيح في الجميع يمسكني أكثر من شخص لم أستطع تقبل خبر وفاة أختي الوحيدة وهى تلد طفلتها  كنت أنظر إليها ممدة على سرير العمليات وقد فاضت روحها إلى بارئها أصرخ بأعلى صوتي وأنادي عليها كي تستيقظ لم يهدئ من روعي إلا رؤية  تلك الطفلة والممرضة تجر سريرها الزجاجي مسرعة  في طريقها إلى الحضَّانة.

ما أصعب تلك اللحظات ومرورها، ساعات مُرهِقة مرت على أرواحنا، نكس كل شخص فينا رأسه لأسفل والدموع تجري في أعيننا، امتلأ المشفى بالأهل حين انتشر خبر وفاة سارة، كان عقلي حينها  لا يستطيع استيعاب كل ما حدث، جاءت أخت أكرم مسرعة إلينا بعد أن علمت بهذا الخبر الذي كان قد وصل لأكرم قبلها في الكويت حيث يعمل هناك حين كان يتواصل معنا؛ ليطمئن كعادته على خروج سارة من حجرة العمليات  لم يخطر ببالنا حينها حتى أن نسألها عن حال  أولاد أختي حيث كانوا قد باتوا ليلتهم عند عمتهم في بيتها، كل شيء حدث بسرعة كبيرة عاد أكرم إلى القاهرة فور تلقيه الخبر وقد أصر على أن ننتظره ولا نقوم بدفنها مما دفعنا إلى تركها في ثلاجة الموتى، كان الأمر برمته يدعو إلى الجنون ساعات الانتظار صعبة جدا وخاصة في مثل حالتنا  عرض عليناالطبيب العودة إلى المنزل والمجئ في الصباح الباكر لكننا رفضنا  أن نتركها، استطعت الهبوط  للطابق السفلي بعد عدة محاولات مع الأمن  وجلست ليلتي بجانب ثلاجةالموتى، بعدها بقليل نزلت إحدى الممرضات لكي تتحدث معي أخبرتني أنها كانت بداخل غرفة العمليات وكانت المسؤولة عن تلقي الطفلة من يد الطبيبة فور خروجها وإجراء اللازم لها وأنه في ذلك الوقت كانت علامات سارة الحيوية قد بدأت  في الاضطراب وبينما كانت تنازع الموت أمسكت بيدها وقالت لها: أخبري أختي أن تفي بوعدها لي، أولادي أمانة في عنقها.
ثم أجهشت الممرضة في البكاء وقالت: أول مرة أتعرض لمثل هذا الموقف نهضت من جانبي وهي تمسح دموعها وقالت: الطفلة صارت أفضل  الآن بوسعكم أخذها، ثم ربتت على كتفي وقالت: من الأفضل أن تبدئي بتنفيذ الوصية الآن .....(يتبع)
#رواية
#سديم
#منى_وهبه

سديم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن