الفصل الخامس

4 0 0
                                    

كان الأمر برمته يدعو للجنون، لو فكرت بالعاطفة للحظة ستكون كفة أكرم وأولاده هى الراجحة، أما لو فكرت بعقلي،  فأنا أيضا لي حياة من حقي أن أعيشها، ولا أفرط فيها لأجل أي شخص آخر، حتى لو كانوا أولاد أختي.

قمنا بالخروج من غرفة والدتي، وقد قرر أبي أنه لا مفر من المواجهة لنضع النقاط على الحروف، ونفهم ماذا يريد أكرم بالضبط، وأنا في قرار نفسي متأكدة أنه من المستحيل أن تمر فكرة علية أبدا.

تأسف أكرم من أبي وأمي، وأخبرهم بأن علية تحدثت من تلقاء نفسها دون العودة إليه وأن الأمر الذي طرحته غير قابل للنقاش من الأساس، أراحت تلك الكلمات صدورنا، لكننا لم نتفق على ما سيحدث مع الأولاد، فبادره أبي قائلا : حسنا يا بني قبلنا أسفك، ولا ألوم على علية إلا أنها تحدثت في شيء مهم هكذا دون الرجوع إليك، ولكن لم نصل إلي شكل الوضع الجديد بعد رحيل سارة.

رد أكرم بمنتهى الأسى، وقال: سارة لم تكن زوجتي وحسب، بل حبيبتي، وصديقتي، وابنتي الكبرى، كانت كل شيء لي في تلك الدنيا، لا أحد يستطيع ملء مكانها أبدا، ولا أستطيع أن أستبدلها بأي شخص، رحيلها قلب حياتي رأسا على عقب، أنت تعلم يا أبي، ولم اقل لك كلمة غيرها منذ دخلت بيتك بقدمي أن الأولاد في حاجة لي الآن أكثر من ذي قبل، هل يعقل أن يعيشوا بدوني ودونها وأنت أب وتشعر بما أحدثك به، أعلم أن مسؤوليتهم كبيرة وصعبة ولكني لن أفرط فيها أبدا؛ لأن هذا واجبي وكي ترتاح سارة في قبرها، سأرحل بعد أسبوعين للخارج لأن وظيفتي لن تنتظرني كثيرا، كل ما أستطيع فعله الآن أن اعهد إليكم برعاية الصغار حتي يحين موعد زواج سديم، أخبرتني علية أنها على وشك الزفاف بعد أشهر قليلة، أكون خلالها قد رتبت حياتي هناك وهيأتها لاستقبال الصغار، وسأعود ثانية لأخذهم تكون الصغيرة قد كبرت قليلا تحت رعاية سديم.

كانت دموع والدتي تنهمر، وقالت له: تريد أن تحرمنا منهم يا أكرم، لم يبق لنا من سارة إلا أولادها.

قال: سأحضرهم إلى مصر كلما سنحت لي الفرصة.

قالت: لن يحدث أبدا، حين يكون الأولاد معك لماذا ستفكر في النزول إلى مصر بشكل دائم ؟

قال : مهما طالت بي الغربة، فلابد من العودة إلى أرض الوطن يوما ما، ومن أجل سارة سأفعلها .

ترددت تلك الجملة في أذني لوقت طويل ( من أجل سارة سأفعلها )
هل أستطيع أنا أيضا أن أفرط في كل شيء ومن أجل سارة أفعلها، قلت لنفسي مستحيل.

كان الوقت يمر بعد رحيل أكرم بسرعة، وعاد فادي من الخارج وبدأت المشاكل تظهر بسبب مسؤولية الأولاد وخاصة سارة ، الطفلة تظنني أمها، كانت مرتبطة بي بشكل غير عادي، حتى بدأ فادي في إظهار علامات الضيق إزاء هذا الوضع الجديد، لا أستطيع الذهاب معه في أي مكان دونها، وإن ذهبت وتركتها مع والدتي تظل في حالة صراخ وبكاء حتى أعود، زاد تعلقي بالطفلة وزاد تذمر فادي من الوضع الجديد، حتي بدأت الطفلة في محاولة الكلام وعلى غير المعتاد أول كلمة نطقتها (ماما).

بعد هذا اليوم تغير كل شيء حتى  نظرتي لكل الأمور، تلك الطفلة تعتقد أني أمها، كيف سيكون حالي  إن رحلت عني؟ ربما ستنساني لصغر سنها، ولكن كيف سأنسى أنا ؟

كنت أضعها بجانبي في الفراش، وهى تمسك أصابع يدي بأصابعها الصغيرة للغاية، وكأنني أنا الأمان المطلق لها، تتبعني بعينيها مذ كانت رضيعة، لا تستطيع أن تتحرك من مكانها، أما الآن وصغيرتي قد كبرت، وصارت تستطيع الجلوس ومد يديها لي لكي لا أتركها وأبتعد، كيف سأتغاضى عن كل تلك التفاصيل؟
شعرت بالحزن الشديد، وقلت في نفسي ليت أكرم لم يتركهم معنا، كان الأمر سيكون سهلا، كيف نتأقلم على شكل الحياة بعيدا عنهم، وكيف أقنع نفسي أن أرحل وأترك سارة خلفي، وسارة الكبيرة تحتل عقلي وتفكيري، والصغيرة تحتل قلبي وعاطفتي، يا له من خيار صعب جدا، حياتي مقابل حياتهم.

كان جنون القرار ليس بأصعب من هول المفاجأة التي فجرتها في موعد عودة أكرم، نزل إجازة في نفس الشهر الذي سيكون فيه موعد زفافي، كنت اتفقت مع فادي على أن أعيش بضعة شهور في مصر، ثم نسافر معا إلى الخارج، ولكن شعور مخيف تملكني حين تأكدت أن سارة ستؤخذ مني.

حاولت بشتى الطرق أن أثني أكرم عن قرار اخذهم، لكن أبي منعني وقال ليس من حقي منعه عن صغاره، وأنني في طريقي لتأسيس حياة جديدة لي، كنت أرى في عين أبي كلاما كثيرا يخشى قوله، لكني ابنة أبيها التي لا تحتاج لأن يتفوه بها ........(يتبع )
#رواية
#سديم
#منى_وهبه

سديم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن