الفصل الثاني

19 0 0
                                    

أحضر أبي الطفلة وهو يبكي ثم جلس بجانبي وقال: خذيها يا سديم اعتني بسارة، لم يشأ الله أن يأخذ منا سارة إلا وأعطانا سارة أخرى، ثم أردف قائلا: ما أشبه الليلة بالبارحة فمنذ خمس وثلاثون عاما أخذت أختك سارة من يد الطبيبة وكانت سعادة الدنيا كلها كأني قد ملكتها فور رؤيتي لها ولأن السرور سكن قلبي أسميتها سارة ولا أريد لهذا الاسم أن ينقطع بموت صاحبته، والآن آخذُ سارة ابنتها بعد أن أخذ ربي أمانته، لم يعد في العمر الكثير بنيتي و لم أنجب سواكما، هؤلاء الصغار صاروا أمانة في أعناقنا حتى نعرف ما الذي سيفعله أكرم، أعرف أنني أحملك فوق طاقتك خاصة وأن موعد عودة فادي قد باتت وشيكة والزفاف كان سيتحدد في خلال أشهر قليلة وكذلك عملك سيحول بينك وبين رعايتهم لكنك تعرفين أن أمك ما عادت صغيرة والأطفال تحتاج لرعاية، سنتدبر هذا الأمر أعرف أنك قوية وأنت لها.
ترك الرضيعة بين يدي ثم قام وذهب لأمي ما إن نظرت لهاو للبراءة التي تسكن وجهها حتى انهالت الدموع تجري من عيني لمست وجهها الناعم البرئ وقلت: كتب عليك اليتم يا حبيبتى، وكتب علينا العذاب على فراقك يا سارة، ثم ضممتها إلى صدري فراحت في سبات عميق.

قطع دخول سارة الصغيرة حبل أفكاري اقتربت من فراشي كعادتها كل صباح وقالت هل استيقظتِ يا أمي؟
قلت لها: نعم حبيبتي، منذ قليل ولكني كنت أنتظر قليلا حتى أشعر ببعض النشاط لأنهض.

قالت: هل صرتِ الآن أفضل؟ كنتِ مرهقة جدا بالأمس وغاضبة كعادتك، وأخبرنا أبي ألا نضايقك ونطلب منك شيئا حتى تشعري ببعض التحسن.

اعتدلت في جلستي وقربتها مني وقلت: لا أستطيع الغضب منك يا سارة تعلمين كم أحبك، آسفة سأحاول ألا يتكرر هذا الأمر .

بنظرة يملؤها الشك هزت رأسها وقبلت جبيني وخرجت من غرفتي لتذهب إلى مدرستها،
كم أشعر بالذنب تجاه أولاد أختي أحيانا أثور لأتفه الأسباب وهذا يؤلمني كثيرا وخاصة مع سارة، بدأت علاقتي بها باكرا جدا لدرجة جعلتني أشعر أنها جزءا مني وليست من أمها في اليوم الأول بعد أن أصبحت في عهدتي حاولت أن أعطيها زجاجة الرضاعة وبعد قليل وأنا أمسك بها بدأ لونها في التحول للأسود وكأنها تختنق، فزعت من هول ما رأيت وانتفضت لأقف بها وأحرك في الطفلة يمينا ويسارا التي توقفت فجأة عن أي حركة أو إحداث صوت ظننتها قد ماتت في يدي صرخت صرخة دوت في أرجاء المشفى الذى لم نكن قد غادرناه بعد ثم وضعت فمي على فمها أبث فيه بعض الهواء بلطف لكنها لم تحرك ساكنا ظلت كما هى بلا حركة حتى بعد أن عاد لونها ببطء تخيلت أنها قد ماتت وقد أثرتُ الرعب والحزن في قلوب من كان معي ثانية، أخذها من يدي شخصا وركض بها ناحية قسم الأطفال حين رآنا لا نحسن التصرف، وركضت أنا وراءه حتى استلمها طبيبا وقام بفحصها وتدليك صدرها ففتحت عينيها وبكت بصوت مسموع نزلت على الأرض أبكي بعد هذا المنظر وخلفي أبي وأمي ومن كان معنا، كل شخص وضع يده على فمه وتنفس الصعداء وحمد الله أنها مازالت حية، لكن الطبيب أمر بإدخالها الحضانة مرة أخرى وعمل الفحوصات اللازمة لها شعرت حينها أن أحدهم قد اقتطع جزءا من قلبي الذي ألقى الله فيه محبتها وكأنها مني، أحب لين وتيم ولكن ليس كحبي لها كنت أظل واقفة أمام باب الحضانة طوال عشرة أيام كاملة لا أذهب إلا على النوم لا هم لي سوى الاطمئنان على سارة الصغيرة ومحاولة تنفيذ وصية سارة الكبيرة كان أكرم قد جلب أولاده لنا بعد أيام العزاء لينضموا هم الآخرون لعهدتي كنت أتخوف من لقائي بهم حينها كيف سننقل لهم الخبر ظلت عمتهم تكذب عليهم طوال ثلاثة أيام وتخبرهم بأن سارة قد سافرت لكن الآن وقد أصبح لا مفر من المواجهة وخاصة أن لين لم تكن صغيرة جدا كان عمرها ست سنوات وتفهم الكثير وتدرك معنى الموت ربما ليس جيدا ولكنها تفهم أما تيم فكان حينها صغيرا ابن ثلاث سنوات لم يكن سيفهم بأي حال ما سنخبره به.

جاء أكرم بهم وكان في حال يرثى لها أعتقد وقتها أن خبر وفاة سارة لم يستطع عقله تصديقه مثلما حدث معنا بالضبط الأمر كان أشبه بكابوس سيء مر على الجميع إلا أن دخول الأولاد أثار الحزن والوجع ثانية ركض تيم ناحية أمي وسألها عن أمه أما لين فكانت تقف بجانب والدها تنظر إلى الجميع بريب وكأنها قد سمعت بما حدث ثم تقدمت ناحيتي وقالت: هل حقا ذهبت أمي عند الله؟ أخبرتني همس ابنة عمتي بهذا الأمر.
كانت الدموع تتساقط من عيني ولا أستطيع الإجابة عليها تقدم والدي ناحيتها وأكد على ما قالته وأخبرها بأننا سنلتقي بها في الجنة وسنجتمع ثانية هزت رأسها وصمتت ثم عادت بعد قليل تطلبها وتقول: لا أريد الانتظار كثيرا حتى تأتي فليناديها أحدكم ويخبرها بأنني أفتقدها، وأن تيم يبكي ليلا لأنها لم تحتضنه منذ عدة أيام لكي يستطيع النوم.
قمت باحتضانها وأنا أبكي وقلت لها: كلنا نفتقدها يا لين وأنا معكم هنا كالسابق سنلعب ونلهو وسوف تنضم إلينا سارة الصغيرة لكي تشعر أمكم بالسعادة وهى تنظر إليكم من السماء.
هلل تيم حينها وقال: أريد أن أراها في السماء.
كانت كلمات الأطفال تقتلني وأنا أحاول بشتى الطرق أن أخفف معاناتهم بعد فقد أمهم أما أكرم فلم يستطع تمالك نفسه من شدة البكاء وخرج على الفور تاركا الأطفال معنا
كان قد مر أسبوع بعد أيام العزاء وخرجت الصغيرة من الحضانة وصار الأولاد معنا بالبيت أهملت عملي طوال تلك الفترة بسبب الظروف التي أمر بها كما أهملت حديثي المعتاد مع فادي كل ما كان يشغل بالي كيف سنتصرف مع الوضع الجديد وخاصة أن عمل أكرم خارج البلاد وأن أمي لن تتحمل وحدها رعاية الأولاد وخاصة الصغيرة لا سيما أنني بعد أشهر قليلة كنت سأغادر البلاد أنا الأخرى مع فادي بعد الزواج كما اتفقنا سابقا .....(يتبع)
#رواية
#سديم
#منى_وهبه

سديم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن