الفصل التاسع

4 0 0
                                    

(الفصل التاسع)

فرحتي وأنا أرتب ملابسي بغرفتي القديمة في بيت أبي لم تكن تقدر بثمن، كنت قد عرضت على أكرم أن أمكث عندهم لبعض الوقت كي أريح عقلي قليلا، وأحسم قراري وأخبره به، وقلت في نفسي أعتبرها فرصة أكون فيها مع الأولاد بعيدا عنه، أرى كيف ستسير الأمور لو وصلنا إلى حل وسط إذا قررت عدم الاستمرار في هذه الزيجة المزيفة.
بالطبع مرت الأيام الأولى وسط الأهل وفرحة والدتي ووالدي بعودتي أنا والصغار، ثم بدأ أبي يشعر بحقيقة ما يجري حوله وخاصة مع تزايد ذلك الموقف العدائي الذي تتخذه لين ناحيتي، حتى أن أمي لاحظت عدم الانسجام بيننا فأفصحت لوالدي عن ما تحسه فأخبرها أنه سيتحدث معي وهذا بالفعل ما حدث، فقد سألني إن كنت أود مرافقته مثلما كنا نفعل أحيانا كثيرة في الماضي وبالطبع وافقت وذهبنا سويا إلى الخارج، مشينا قليلا في أماكن عدة ثم اقترح أبي أن نذهب إلى نزهة نيلية فهو يعلم كم كنت أحبها، وفي منتصف النزهة وضع يده على كتفي وقال: أخبريني ما الذي يدور بالضبط يا سديم، هناك شيئا كبيرا خفيا لا أفهمه، علاقتك بلين سيئة للغاية، وأعتقد أنها بأكرم أسوأ بكثير  هل هناك خطب ما ؟
تلعثمت حين سألني أبي، ولم أعرف كيف أخبره، كانت دوما ولا زالت الكلمات تخونني أمامه، للحق كان هو وسارة منسجمين على الدوام، وبرغم أن علاقتي به كانت دوما جيدة إلا إنها لا تقارن بعلاقته بسارة رحمة الله عليها.

نظر إلي متفحصا معالم وجهي، وقال: أنا أنصت، تحدثي بنيتي.

قلت له: لا أعرف كيف أشرح لك بالضبط ذلك الصراع الذي يدور بداخلي، ولكنني سأختصر كل هذا بجملة صغيرة جدا، أفكر بمنتهى الجدية أن أنفصل عن أكرم.

تغيرت ملامح وجه أبي في لحظة، وقال: هل أساء إليك، أخبريني؟
قلت: لا لم يسئ، أكرم رجل طيب، ولكني أعتقد أنني قد وفيت بوعدي لسارة، وأتممت مهمتي مع أولادها، وقد حان الوقت لأن أعيش حياتي أنا لا حياة سارة.

صمت أبي قليلا وهو ينظر لي بحزن بالغ، ثم قال تلك الحياة لم يجبرك أحدا عليها، اخترتيها بنفسك وموهومة لو تصورت أن المهمة قد انتهت، هل تتخلى الأم عن أولادها في منتصف الطريق لأنهم قد كبروا؟

طأطأت رأسي لأسفل وقلت: ولكني لست أمهم، أنا خالتهم.

قال: مخطئة يا سديم، عاشوا معك أكثر مما عاشوا مع سارة، كما أن تلك الصغيرة لم تعرف أما غيرك، الأم من ربت يا بنيتي وليست من أنجبت، ربما لم يكتب لك الله أن تكوني أما طوال فترة زواجك، ولكن انظري لتلك المنحة التي وهبها الله إياك.
لم أعرف ماذا أخبر أبي، يظن هو وأمي أن علاقتي بأكرم طبيعية كما أوهمتهم دوما، كما أنني أخبرتهم بأنني أعاني بعض المشاكل في الإنجاب لهذا لم أنجب طيلة فترة زواجي بأكرم، الآن ماذا أخبره، هل أخبره بأنني كنت كاذبة أنسج الكذبة تلو الأخرى حتي لا يفتضح أمري ويعرف الجميع بما حدث؟
صمتُ وأكملتُ الكذبة التي بدأتها، وأخبرته أنني فكرت في كل تلك الأمور من قبل، ولكنني ما عدت أحتمل هذا الزواج .

انتهت نزهتنا وقد صمت كل منا ولم ينبس ببنت شفة، حتى وصلنا إلى البيت، وهناك اجتمع أبي بأمي وأخبرها بما أعتزم فعله، وعلى عكس ما توقعت ثارت أمي وغضبت مني غضبا شديدا، جلست معي وقالت: ما الذي تنوين فعله يا سديم، لماذا تحاولي تدمير كل شيء، ما الذي حل بعقلك؟

قلت لها: أنا أحاول بناء نفسي من جديد، أنا من ضحى وحده من أجل الجميع، فعلت الشيء الصائب حينها وأحاول فعل الشيء الصائب الآن.

حركت أمي وجهها يمينا ويسارا بأسى وقالت: تتوهمين أنك تفعلين الصواب، أكرم رجل محترم، وحياتك التي تتمردين عليها يتمناها الكثير، ومنع الله عنك نعمة الأبناء ومنحها إياك في نفس الوقت، ألا تجعلك كل هذه الأمور تفكرين بشكل أعقل من هذا، هؤلاء الصغار الذين تحاولي التخلي عنهم وهم في نصف الطريق ماذا سيفعلوا؟ من قام بعمل الجميل يا سديم فليتمه، لا يتركه في المنتصف عالقا هكذا.

قلت: لا أحد يفهمني، تلك العلاقة صارت متعبة جدا بالنسبة لي، وخسارة اليوم خير من مكسب بعيد.

قالت: أنت قلتيها بنفسك، ما تفعلينه اليوم هو خسارة، والمكسب حتى لو كان بعيدا فسيظل مكسبا، أنت هكذا كمن علق في المنتصف والخروج مع تلك الحالة سيكون مؤذيا، ستظلين في منتصف الأشياء دوما، لا منك عدت إلى حالتك الأولى ولا وصلت إلى بر الأمان، استعيذي من الشيطان يا بنيتي، وفكري جيدا، خذي وقتا كافيا ونحن سنتحدث مع أكرم لعلنا نستطيع إيجاد حل.

قلت بسرعة: لا ،لا داعي للحديث معه، هو ترك لي القرار، وأنا أخبرته أنني سأفكر جيدا وأخبره به.

كان أكرم يتردد على البيت بشكل مستمر، واحتراما لطلبه بألا يتدخل أحدا الآن بيننا حتى نصل إلى قرار مناسب كما أوهمت أبي وأمي لم يفاتحا أكرم في شيء، خفت كثيرا أن يعرفوا أننا كنا ولا زلنا أزواجا على الورق، لم أكن أفكر في أي شيء إلا كيفية الخروج من هذا الوضع.

توقفت عن الحديث مع أسيل لأنها كانت توبخني دائما وترى أن أكف عن سماع آراء وعد، وأنني أنساق وراءها كالعمياء، واكتفيت بوعد صديقة لي، بت أشعر أن أسيل لا تحب لي الخير، فهي تزوجت بشخص أحبته وأحبها وتعيش حياة هادئة فلماذا تهتم بي، أما وعد فقد فشلت في قصص حبها ولم تتزوج حتى الآن لأنها لم تجد شخصا مناسبا؛ لهذا هى أكثر من يشعر بي وبمأساتي وتريد أن تراني في حال أفضل دوما .........(يتبع )

#رواية
#سديم
#منى_وهبه

سديم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن