الفصل السابع

7 0 0
                                    

(الفصل السابع)

فور خروجي من غرفتي وجدت لين أمامي، لم تعد صغيرة وباتت تفهم من معظم تصرفاتي أني أجبرت نفسي على هذا الوضع، فأخذت تتصرف معي بشكل لا يعجبني، ولأكون صريحة أمام نفسي، كنت أنا السبب في وصول الأمر إلى هذا الحد، فبعد أن كنت أنا أقرب شخص إلى قلوبهم، صرت بعيدة كل البعد عن قلب لين حتى بت أشعر في أحيان كثيرة أنها تكرهني، قلت لها: ألم تذهبي لمدرستك اليوم ؟

قالت: ومن كان سيجهز سارة وتيم للنزول إلى مدرستهم لو نزلت أنا الأخرى ؟
قلت لها: طلبت منك ألف مرة أن لا تجيبي سؤالي بسؤال ،تيم لم يعد صغيرا، إنه في الثالثة عشر من عمره، وسارة تستطيع أيضا تدبر أمر نفسها، كُفي عن لعب دور الأم معهم.
قالت: لم أجد من يلعبه فقمت أنا به.
ازداد غضبي من لين وقلت لها: لا تجعليني أتصرف معك تصرفا سيجرح كرامتك ويغضبك، لم أرفع يدي يوما عليك برغم أن تصرفاتك أصبحت سيئة للغاية، أحاول دوما معاملتك كما لو أن سارة مازالت حية، وهي من تقوم بتربيتك.

قامت من مكانها وألقت الكتاب الذي كان بين يديها بانفعال شديد، وقالت ليتها كانت بالفعل مازالت حية، كنتِ وقتها لن تكوني مضطرة ومجبرة على تحملنا.

صرخت بوجهها وقلت ادخلي غرفتك، ولا أريد رؤية وجهك حتى يأتي والدك من عمله .

لا أعلم كيف انفلتت الأمور مني ووصلت إلى هذا الحد بيني وبين لين، لا أعلم في أي سن بالضبط خسرتها ،تقريبا هى بنصف عمري حملتها لأول مرة ربما كنت وقتها ابنة السبعة عشر عام، وللحق هي تشبهني كثيرا حتى في طباعي المتقلبة، كنت في عنفوان شبابي أقبل على الدنيا بكل أمل وتفاؤل ظنا مني أني أملكها، وأنها بين يدي حتى أدركت أنني مجرد لعبة بين يديها، والآن أخشى على هذه الصغيرة مما أوصلتها إليه، ولكني مضطرة لكل هذا، سارة تقف حائلا بيني وبين تلك الحياة، لا أستطيع تخطي أن أكرم كان زوجا لها، لذا لم أستطع يوما وبرغم عشرته الحسنة أن أراه زوجا لي، وأولادها وبرغم حبي الجم لهم، لا أستطيع أن أراهم أولادي، كنت أظن وأنا أقوم بالتضحية بحياتي أنني أفعل الأصلح لهم، إلا أنني أدركت أنني أفسدت كل شيء.

حين وضعت قدمي في ذلك البيت كان الوضع بالنسبة لي سيئا للغاية، عروس قامت بإلغاء عرسها وتزوجت بزوج اختها الراحلة لترعى أولادها، كنت أرى نفسي كبش فداء لا أكثر، لهذا قلت لأكرم كلمات أظنه لم ينسها ولو قليلا، قلت له حين وطئت عتبة هذا البيت، أنا هنا لخدمة الأولاد فقط لا أكثر ولا أقل، اعتبرني تلك الجليسة التي كنت ستجلبها لهم، بالطبع لم تكن ستطلب منها أكثر من رعاية الأطفال، وكذلك أنا ليس مطلوبا مني أكثر من ذلك، كنا حينها في وضع لا يسمح بالجدال أو المناقشة، نظر لي ولم يتفوه بكلمة ثم أشار لي على غرفة وقال تستطيعي النوم بها مع سارة، والأولاد سيناموا معي في الغرفة الأخرى حتى أرتب لهم غرفة منفردة فيما بعد.
هززت رأسي حينها بالموافقة، ومرت الأيام لا يتعد دوري أكثر من دور جليسة للصغار، التحقت حينها لين بالمدرسة وصاروا في عهدتي، ولا شأن لي بأكرم، لكنه بعد فترة ليست بالقليلة بدأ يحاول تغيير هذا الدور، شعرت أنه يحاول أن يتقرب مني حتى ولو بشكل بسيط كما كانت علاقتنا في السابق، لكنني كنت أصده وبكل شدة، كنت أختنق بحبي لفادي ومراقبة أحواله من بعيد، وفي نفس الوقت لا أستطيع التأقلم مع الوضع الذي أجبرت نفسي عليه، كلما حاول استمالتي إليه زاد غضبي وثورتي على أتفه الأسباب، هناك حاجز منيع بيني وبينه، أقصى ما استطعت تقديمه هو إخباره أن علاقتنا ليست حقيقية، ولا التزام فيها ناحيتي بأي شيء، يستطيع الزواج فيها وقتما شاء، وسيكون هذا أفضل حل إلا أنه رفض وبشدة، وقال لن أترك الصغار مهما حدث.
وأخبرني حينها أنني لن أستطيع أن أحيا باقي العمر هكذا، فأنا أحكم على نفسي بالموت وأنا حية، قلت له حينها لا شأن لك بي تحدث عن نفسك فقط، لا أراك إلا زوجا لأختي ربما لو لم تكن سارة الصغيرة مرتبطة بي هكذا، ما كان ذلك الزواج استمر كل هذه الأعوام، كلانا ضحى بسعادته واحتياجاته من أجل الصغار وخاصة سارة.
أكرم بالفعل شخص نبيل وجيد لكني لم أستطع أن أراه بأي بشكل آخر.

قطعت عودة سارة وتيم حبل أفكاري، ركضت الصغيرة ناحيتي تقبلني كعادتها، أما تيم فكان لا يتحرك إلا لو ناديته أنا ،أشرت إليه أن يأتي فجاء ناحيتي وقبلته فأمسك بنظارته وقال :هل صرتِ الآن أفضل؟
ابتسمت وقلت له :نعم ،وعندي لكم كذلك مفاجأة سنقوم اليوم بنزهة صغيرة.

‏حين عاد أكرم من عمله طلبت منه أن آخذ الأولاد ونذهب للتنزه قليلا، فأخبرني أنه يريد الخروج معنا.
لم أقص له أنني تشاجرت مع لين، لأن هذا الأمر أصبح طبيعيا ويتكرر كثيرا، لكنني طلبت منه أن يسألها هو إن كانت تود الخروج معنا أو المكوث في المنزل كعادتها منذ فترة ليست بالكثيرة، فقد أصبحت تتلاشى الوجود معي مؤخرا ،
‏حين طلب منها أبوها الخروج وافقت، ربما لم يظهر على ملامحها السعادة ولكنني أعلم في قرارة نفسي أنها كانت سعيدة بالفعل، انتهت النزهة في هذا اليوم باقتراب أكرم من أذني، وقال أحمل لك خبرا أعتقد أنك تنتظريه منذ مدة طويلة جدا .......(يتبع)
‏رواية
‏سديم
‏منى وهبه

سديم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن