الفصل الثامن

7 0 0
                                    

(الفصل الثامن)

سعادتي بخبر نزولي إلى مصر لم تكن تقدر بثمن ،عشر سنوات من  الغربة كانت قد أنهكت روحي وقلبي، ألم يكفني ما أحمله من عذاب حتى أتحمل الغربة والبعد عن الأهل والوطن، كان عزائي الوحيد هو أبناء أختي ورسالتي معهم التي كلما كنت أراهم يكبرون أمامي أشعر بأنها قاربت على الانتهاء، صار الآن عمري ثلاثة وثلاثون عاما، مازلت صغيرة وربما أستطيع بدء حياة جديدة بمنتهى السهولة، لكن تفكيري في حالهم بعد قراري كان يخيفني كثيرا، كيف طاوعني قلبي وأقنعني عقلي أن مسؤوليتهم قد باتت سهلة سأستطيع التخلي عنها بقلب مطمئن، وأمضي قدما دون أن أهتم ؟

فحين أخبرني أكرم أنه قرر العودة إلى القاهرة لم أصدق نفسي، لم أزر مصر فترة زواجي به إلا ثلاث مرات وللحق كنت أنا من يرفض النزول كل عام، كنت أشعر أنني أعذب نفسي فقط بالذهاب إلى هناك ثم العودة للغربة، فتوقفت عن النزول بشكل مستمر كل عام كما كان الحال في فترة زواجه بسارة ،كنت أكره فكرة أن ينظر لي بعض الناس بشفقة، هذا الأمر كان يمزقني بالفعل وللصدق أيضا كنت أخاف وبشدة أن ألتقي صدفة بفادي، كان جارا لنا ربما بعيدا بعض الشيء، ولكن احتمال رؤيته كان كبيرا جدا، فقد رأيته مرة واحدة في الزيارة الثانية لي ربما كان حينها قد مر خمس سنوات على زواجي، شاهدته مع زوجته يمسك بطفل في يده وزوجته تحمل رضيعا تلاقت حينها أعيننا لثوان معدودة، أشحت حينها النظر بعيدا عنه وأنا أمسك بسارة في يدى، كانت دقات قلبي تتسارع بشكل مخيف حتي بت أشعر أن قلبي سينخلع من مكانه، ربما شعرت يارا زوجته بما حدث وأظنها تغاضت عنه، كنت أعرفها حق المعرفة فقد كانت زميلة لنا بالجامعة وكنا جيرانا أيضا، تقدم هو للزواج منها بعد ما فعلته به وتزوجها بسرعة كبيرة، سافرت معه إلى الخارج عامين ثم عادت لمصر وعاد هو بعدها واستقر معها،كانت وعد تنقل لي أخبارهم طيلة عشر سنوات.

  أنا الآن مختلفة كثيرا عن ذي قبل، في البداية كنت أخشى السفر إلى مصر لأنني أعلم أنني سأعود للغربة ثانية، لكن الآن بعدما علمت أنني سأستقر بمصر شعرت بسعادة غامرة سرعان ما تلاشت حين فكرت ماذا لو صادفت فادي كثيرا لكني أخبرت نفسي أنه يمكنني تلاشي ذلك الأمر لو قمنا بالسكن بعيدا عن أسرتي حتى أستطيع حسم أمري واتخاذ قرارا صائبا تجاه ما أعيشه من ألم.

اجتمع أكرم بأبنائه ونقل إليهم الخبر بعد عدة أيام، وقد لاقى قبولا كبيرا من سارة وتيم، وكالعادة من أبدت استياءها من هذا الخبر كانت لين إلا أن أكرم ظل يتحدث معها ويحاول تبديد مخاوفها التي كانت تبديها له وفي النهاية أذعنت لقرار أبيها، فهو وللحق كان أبا رائعا في تعامله معهم .

طلب مني قبل السفر أن نتحدث على انفراد، أجبته بالموافقة اقترب مني حينها وقال: تعبت كثيرا يا سديم والغربة والألم قد أنهكوا قوتي، وأعتقد أنه قد آن الأوان لأن أستريح بعض الشيء، قمت بتأسيس عمل مناسب مع صديق  لي في القاهرة سيوفر لنا احتياجاتنا ولن يشعركم بأي تغيير.

قلت له: أعانك الله على ما تقوم به من أجل أولادك.

فبادرني قائلا ومن أجلك أيضا، أنت زوجتي ربما لا تقتنعين بذلك وتنظري للأمر بشكل مختلف، ولكنها الحقيقة أما آن الأوان يا سديم أن نتأقلم ونعيش الحياة كما كتبها الله لنا، أخبرتك أنني لن أجبرك أبدا على فعل شيء لا تحبينه، كما أنني رفضت اقتراحك أن أتزوج وضاع من عمرك وعمري الكثير، كلانا قد ضحى وكلانا يستحق أن يهدأ باله وقلبه.

قابلت كلماته بصمت، وقد تغيرت معالم وجهي كنت أخشى هذا اليوم كثيرا، الآن أكرم يتمرد ويحاول المطالبة بحق ليس له، أخبرته من البداية ووافق.
ابتعدت عنه خطوات قليلة، ثم جلست على الأريكة وضممت كفوف يدي في بعضهما البعض، وقلت له: أنت بما قلته تزيد الأمر سوءا، أنت تعلم أني أحترمك وأقدرك كثيرا، لكني لم أستطع أن أراك إلا زوجا لسارة، وإلى الآن لم تتغير نظرتي لك.

مشى هو ناحيتي تلك الخطوات التي ابتعدتها عنه، وقال لأنك لم تحاولي أبدا أن تريني عكس ذلك، ما وافقتُ عليه من قبل صار مؤذيا لي كثيرا، أنا رجل ولله الحمد ما اقترفت الحرام مع امرأة أبدا، ولم أعد صغيرا، يضيع العمر يا سديم وأحتاج إلى أن أعف نفسي، لماذا لا نحاول البدء من جديد؟

قلت له: بيننا اتفاق وأنت وافقت عليه، لك كل الحق في الزواج ولن يلومك أي أحد، والأولاد ما عادوا صغارا لتخشى عليهم.
قال لي: وإن أخبرتك أنني أريدك أنت ولا أريد أي أحد سواك.

قلت له: ولكنني لا أريدك .

ابتعد حينها، وقال حسنا حين ننزل إلى مصر فكري جيدا في ما تريدين، لن أذل نفسي لك أكثر من هذا، وأنا معك في أي قرار ستقومين باتخاذه، صدقيني الوضع ما عاد صالحا لأى منا، أنا هكذا أؤذيك وأؤذي نفسي.

كلماته قد أزالت عن نفسي الكثير، أكرم بنفسه يعطيني حرية الاختيار، ومن الواضح أنه لن يوافق على استمرارية كوننا أزواجا على الورق، وفي كلماته رسالة مخفية أنه من الممكن أن يحررني من هذا القيد لو أصريت علي موقفي، شعرت أن الدنيا تفتح ذراعيها لي من جديد، وعادت لتبتسم في وجهي.

ترى هل سأستطيع البدء في حياة جديدة ونسيان الماضي تخبرني وعد أنه نعم، الدنيا أمامي وأستطيع، أما أسيل فدوما تذكرني أنني سأضيع كل شيء، وسأعود  لأعض أصابعي من الندم، أما أنا فأسأل نفسي كل يوم ترى من منهما على حق؟ .....(يتبع)
رواية
سديم
منى وهبه

سديم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن