الفصل السادس

4 0 0
                                    

(الفصل السادس)

يقولون دوما أننا ضحايا أنفسنا، أما الآخرون فهم مجرد حجة نبرر بها ما فعلناه، ولكن في حالتي الأمر مختلف بلا شك، فأنا ضحية الظروف وضحية الآخرين، فقد  يبدو الأمر لمن يسمع حكايتي أنه لم يجبرني أحد ولكن الحقيقة مغايرة لهذا التصور.
أجبرتني نظرات كل من حولي حتى أمي التي كانت رافضة وبشدة عرض علية، إلا أن أعينها كانت تفصح بعكس ذلك، كنت أرى فيهما طلبا لا تجرؤ على التفوه به، تزداد رغبتها فيه كلما اقترب موعد زفافي من فادى، ورحيل أولاد سارة مع أبيهم ،حتى سمعتها تتحدث يوما مع أبي تخبره أنها خائفة جدا على الصغار، فأكرم في النهاية رجل لن يمكث طويلا بدون زواج، ماذا لو أن المرأة الأخرى كانت سيئة مع الأولاد ولم تتق الله فيهم, ثم صمتت برهة وقالت: لولا أنه يشق على نفسي أن أؤذي قلب سديم، وأدمر لها حياتها، كنت طلبت منها أن تتزوج من أكرم، لكن قلبي وعقلي لا يوافقان على هذا الأمر.

لا يسير الأمر دوما وفق رغباتنا، كل الطرق بلا شك كانت تؤدي إلى أن أكون أنا الضحية وحدي، حبي للصغار وخوفي عليهم كانوا أقوى من أي شيء، صرت لا أحب أكرم وأرى أنه أكثر شخص أناني في هذا العالم، ومع ذلك ذهبت بنفسي إلى أخته علية، وأخبرتها أنني مستعدة لأن أضحي بكل شيء وأتزوج منه، كنت كمن أراد الانتحار وهو يظن أن هناك شخص ما سيأتي لإنقاذه، ظننت بأن أكرم ربما سيرفض ويترك الأولاد حين يعلم بما أقدمت عليه، ولكنه مع الأسف وافق وقال لي :لست وحدك من تضحين يا سديم .

أمام صمت الجميع واستنكارهم المفتعل، ومباركتهم بقلوبهم والتي فضحته أعينهم،  وقفت  أخبر فادي بأنني سأنهي كل شيء، أولاد سارة في حاجة لي، ولا أستطيع أن أرميهم للمجهول، بالطبع ثار وكال لي تهما كثيرة وغضب ولم يتخيل أنه بمنتهى السهولة كل شيء يتغير ويتبدل، وبدلا من أن أصبح زوجة لفادي صرت زوجة لأكرم.

تلك الليلة التي سبقت رحيلي مع أكرم كانت متعبة، فقد أغلقت فيها غرفتي وصرت أجمع ذكريات فادي كلها في صندوق، وربما وضعت قلبي معه وأغلقته ورحلت دون النظر فيه مجددا.

أمسكت بهاتفي لأصرف فكري عن كل تلك الذكريات التي تنتابني في كل صباح، وبدأت في مراسلة( وعد) صديقتي كعادتي في كل صباح، أبث لها كل ما أعانيه في غربتي التي كانت بداخلي أكثر منها في بعدي عن الوطن، كانت رفيقة دربي هى و(أسيل) لكن أسيل وبرغم حبي الشديد لها كانت على عكس (وعد ) ،دوما تتهمني بأنني أحببت دور الضحية وصرت أتقنه، وأنني مع الوقت سأخسر كل شيء، كانت تغضبني بحديثها حتى صرت أشعر أنها أبعد ما يكون عني، وكيف لم تعد تفهمني كما كنا فيما مضى، وحدها وعد هى من تفهم ما أمُر به وأعانيه، وحدها من يشعر بي ويخبرني دوما أنني أستطيع التحرر من ذلك القيد الذي قيدت به نفسي طوال عشر سنوات، وأنني أستطيع البدء من جديد في حياة تكون من اختياري أنا، كم كانت تلك الكلمات التي تخبرني بها كل يوم هي السبب الوحيد في حبي للحياة، ثم سرعان ما أنظر حولي وأعود للواقع الذي يحيط بي بأنني أم لثلاثة أطفال وزوجة لرجل أجبرتني الظروف أن أكون معه، كل ما أملكه ليس حقيقيا لا أنا أمهم التي أنجبتهم، ولا صرت زوجة بالفعل، فأنا مجرد زوجة على الورق ......يتبع
رواية
سديم
منى وهبه

سديم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن