4. حَدِيث .

1.3K 110 6
                                    

بَين المَقاعِدِ الأَمامَية كُنت، أُحاولُ عَدَمَ البُكاءِ عَلى أَموالِي الضَّائِعة، أَلَّا تَكفِي الثَّروة التِي أَقومُ بِصرفِها لِلحصولِ عَلى أَحدِ المِقاعِدِ فِي المُقدمة؟ وَالآن أُضيِّعُ مِحفَظةَ أَموالِي!
لَكِنَّني لا أَستِطيعُ الشَّكوى، فِمَيزاتُ تِلكَ المِقاعِدة الذَهبية تَكادُ تُغرِقُنِي، حَيثُ يُمكِنُك الحُصولُ عَلى إِطلالَةٍ أَفضَلَ لِلحَلبة، مَشهَداً أَقرَب لِتلكَ اللِّكماتِ القاسِية وَقِطراتِ الدِّماءِ المُتناثِر، وَفُرصَةً أَكبَر لِجَذبِ اِنتِباهِ لاعِبكَ المُفضل، وَالحصول على تِذكار أو تَوقيع إن كانَ الحظُ حَليفك.

أَنفاسِي مَسلوبة لِكثرَةِ الصُّراخ، حَلقي يَشتَعِل، وَآلةُ التَّصوير خاصَتِي تَصرخُ مُطالِبةً الرَّحمة كًما هو حالُ جًسدي المُتعب، عيناي مُستَعدتان لِإِيجادِ لَقطاتٍ مِثاليةٍ لِأَخذِها، أُذناي تَنطَرِبان لِسماعِ الهُتافات.

أِتيتُ لِنِزالِ رُغمَ المَرض، حَلقي يؤلمني، الصُّداعُ بَدأَ يَقتُلُنِي، كَمَّا أَظُنُّ أَن الحُمى بَدأت تُصيبُنِي، إِلّا أَن ذِلكَ لَم يَمنَعنِي مِن الصُّراخِ، وَتشجيعَ بَطلي.


''ليـ ـوناردو ليونـ ـاردو ليونـ ـاردو''
صَرختُ بِاسمهِ رِفقةَ الجَماهير، تَرحيباً بِدخولِهِ الحَلبة، تَصافحة الخِصمان، يَأَخذانِي وضعِيةٍ تُبرٍزُ كُتلَتهما العَضلية لِآلاتِ التَّصوير النِّهيمة لِتلكَ المِشاهِد.
كُنتُ أَمتَلِكُ إِحدى تِلكَ الآلةِ النِّهيمة، وِمِن خَلفِ عِدستِي رَأَيتُه يُطالِعنِي، رَسمَ اِبتِسامة عَذبة عِلى ثِغرِه يَجعلُ مِن آلتِي تَنخَفِض بِدِهشة، عُيونه طالَعتنِي لِثوانِي بٍهدوء، وَما إن اِنقضت رَأيتُ حاجِبيهِ يَنعَقِدانِ بِإِزِعاج، تَلفتُ حَولِي بِحيرة أَتأَكدُ إن كانَ يَقصدُ شَخصاً غَيري، إٍلّا أَنَّ نَظراتُهُ لَم تِكُن لِأَحدٍ عِداي
أَشرتُ لِي أَتأَكدُ بِأَنَّه يِقصِدُني، لِيؤمِئ لِي مُؤكِداً عَلى واقِعيةِ تِخيُلاتِي، وِعندَ نِداء المُضيفِ للاعٍبين المُنشَغلين بِالجُمهور، رٍقعتُ لَه قًبضةِ مُبتَسمة أَتمنى لَه النَّصرَ هامِسة، أَدعُو أَن يَفهَم هَمساتِي.
اِستَفتَحَ الحَكمُ النِّزال بَعدَ عَرفَ عَن النَّظيرين بِإيجاز، إرتٍفعت الهُتافات، وَبعدِ عَدَدٍ مِن الصَّرخات أِضحى حَلقي جافاً كَالصَّحراء.
الاِرهاق بِدى يُسيطِرُ عَلى الأَجساد، بَعد تِبادُلِ العَديدِ مِن اللَّكماتِ والرَّكات، وَإٍنقِضاء الكَثيرِ مِن الجَولات، قُرٍعُ الجَرس يُهلِن نِهايةَ النِّزال، صَمتَت الجَماهيرُ لَحظَةَ إٍعلانِ الفائِز، وِظهورِ النَّتائِج، الأَدرينالين ضُخُّ فِي الشَّرايينَ، يِزيدُ مِن حماسَةِ الحاضَرين.

'' وَالفائِز هو
لِيــــونـــاردو إيســـا "
أَعلَنَ مُضيفُ النِّزال بَعد أَن أَجمَّعَ الحُكام عَلى الفائِز، رَفعَ الحَكم ذِراع لِيوناردو تَزامُناً مَع إٍعلان المُنتَصر، عَمَّت الأَجواءُ الاِحتفالِية المُدرَجات، سَخَرَ البَعضُ مِن مُشَجعين اللاعِبِ الخاسِر، جاعِلِين مِن بَعض الفَوضِى تَعُّم، تَصافِحَ الخَصمين فِي تِلكَ الأَثناء، يُعلِنان ودِّيةِ العلاقة بِينَهما، ولَطالَما تَساءلتُ عَن إمكانيةِ البقاءِ عَلى علاقةٍ ودِّيةٍ رِفقةَ شَخصاً تَبادِلتُ مَعه اللَّكمات فِي حَلبةٍ حَقيقية.

وَفي لَحظَةِ صَمتٍ، أثناءَ مُغادَرةِ اللاعِبين، صَرخت بِاسمه بِحدة، جَعلتنِي أَشعُر بِتِمزُقِ أَحبالِي الصَّوتية، بَل أَجزِمُ عَلى تِمزُقِها، النَّدمُ كانَ عِنوانَ تعابيري، إٍلّا جانِبِ الألمِ الشَّديد، حاولتُ السُّعال بِرفق كَي لا أُهيِّجَ أَيَّ شُعورٍ يَزيدُ مِن مُعاناتِي، يَدي فِي حَقيبَتي تَبحِثُ عَن حافِظةِ السوائِل خاصِتي؛ لِتَخفِيفِ مِن أَوجاعِي، وَمُعالَجةِ آثرِ الجَريمة التِي اِرتَكبتُها بِحقِ جَسدي العَليل، مِن بَينِ أَنفاسِي المُعذَبة لَعنتُ مُنظِمَ النِّزال، إٍعجابِي بِتلكَ الرِّياضة، مُلاكمِي المُفضل، وَغبائِي الشَّديد.
يَدٌ غَريبة ناولتنِي قارورةَ مياهٍ باردة، شِكرتُ صاحِبها بِخفوت، أَنتَشِلُ زُجاجَتِي مِن أَحشاءِ حِقيبةِ ظِهري، أَتجَرعُ مُحتواها الدَّافِئ سَريعاً أُطفِئُ النِّيران فِي حَلقي.
وزَعتُ نَظري بِجانبِي أَبحَثُ عِن فاعِلِ الخَير، إٍلّا أَنَّ المُدرجات مِن حَولِي فارِغة، فَالجماهير الآن تَنتَظِر عِندَ بوابَةِ المِبنى لِتَوديعِ المُلاكِمَّين.
قابَلنِي جَسدٌ تَعرفتُ عَلى صاحِبه دونَ إٍبصارِ وَجهِه، فَتِلكَ الزَخرَفاتِ المُنتَشِرة عَلى الكَتِف، فِوشمُ العَنكبوت الذِي لا يَتوقَف عَن جَذبِ أَنظاري، دَلتني عَلى صاِحبِ الجَسد، رَفعتُ بَصَري بِبطء، أُعطي عَينيَّ الفُرصة لِتأَملُ إِبداعِ الرَّب فِي خَلقِه.

''لا تُرهقي جسدك، فَـ هو أمانةٌ لديكِ أَيتُها الجميلة"
قَد أَكونُ واحِدةً مِن الكَثيرات اللواتي تَلى على مَسامِعهن ذاتَ السَّطر؛ إلّا أَنَّني تِلكَ اللِّحظة شَعرتُ بِالتَّفرُد، تِناسَيتُ كَونهُ مُشهوراً ذو فَيضٍ مِن المُعجبات،  شَعرتُ بِكونِي الوَحيدةَ بِالنَّسبةِ لَه، اِنتَفضَ أَيسري رَغبةً فِي عِناقِه، غَرقتُ فِي بَحرِ حُسنِه، وَبدَوتُ ظَمَآى أًرتوي بِشهدِ ثَعرِهِ، مَعسولُ اللِّسانِ كانَ هو، أَما أَنا فَكنتُ ضَحيةَ كَلماتِه الحُلوة.

"يبدو أَنَّنِي أُهلوس"
همسَتُ بِعدَمِ تَصديق بِنبرةٍ جِهورةٍ مُتوجِعة؛ نَتيجَةَ صَيحَةٍ طائِشة، أَتهِمُ هِلوساتِي بِإختِلاقِ المَشهد، فذلِكَ التَّفسيرُ الوحيدِ لِما يَحدُث.

"تَبدينَ مُصابَةً بِالحُمى، إٍلّا أَنَّكِ لا تُهلوسين عَزيزتِي"
بِلَهجَةٍ بِريطانية وَنبرةِ مُرهقة نَبس، يَجعلُ مِن عالِمِ الوردِي يَتدِاعى، فَتَعابيري الفاضِحة البَلهاء، تَجعلُ مِن المَشهدِ مُحرِجاً، خاصَةً مَعه.

"اِعتنِي بِنفسِك"
تَحدِثَ يُلوحِ لِي، ثُمَّ لِمَن تِبقى مِن المُعجَبين، اِنِهرتُ عَلى مَقعدِي وَلم أُدرِك سِوى تِلكَ اللحظة أَنَّنِي كُنتُ أَقِف.

لَم أستطع فتحَ القنينةَ، وضَعتُها على رَفٍ يَحتوي صوره، وَبِتُّ أُطالعِهُا كُلَّ لَيلَة كَأنَّها إِرثُّ سَأَتَفاخر بِهِ أَمامَ أَبنائِي عِندَ الكِبر، وَسَأَقُصُّ عليهم جمالَ الذِكرى.


شغف الملاكمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن