6- الخـــــلاص

7.7K 269 30
                                    


غادر نديم مقر الشركة بعد أن تلقى خبر وفاة والد الزعيم متوجها إلى موقف السيارات..أدار المحرك للانطلاق إذ به يتفاجأ بشابة يافعة تقف أمام سيارته معترضة الطريق فنزل ليتبين الأمر..إنها إيلا الشقراء.. إبنة عم سحر...كانت واقفة بكل شجاعة وصلابة قائلة.."أين أخذتم إبنة عمي أيها المجرمون؟.. ماذا فعلتم بها؟.."...خلع نظاراته مخفيا امتعاضه منها..."عما تتحدثين يا آنسة؟..وكيف تعترضين الناس بهذا الشكل الفج؟".."لا تتظاهر بأنك لا تعرفني..لقد تهجمت علينا رفقة بغالك ودمرتم البيت بكامله من أجل العثور على سحر...وهددت بأنكم ستعودون إذا لم نسلم سحر...منذ ذلك اليوم لم تعاودوا القدوم إلينا..وهذا يعني أنكم عثرتم عليها.." ليقاطعها.."لاتتعبي نفسك أيتها الفتاة.. إبنة عمك لقيت المصير الذي تستحقه..وابتعدي قبل أن أدهسك بسيارتي" ..استدار عائدا إلى سيارته..فاعترضته من جديد والاصرار باد عليها.."ماذا فعلتم بها؟.."
"هذا لا يعنيك"..
"بلى..هي قريبتي الوحيدة..ألا تخجلون من الاستفراد بفتاة مسكينة..أنتم بلا رجولة..عار عليكم..وعار على زعيمك"..اقتربت منه رافعة سبابتها في وجهه..ضاغطة على فكها من الغيض..."سوف اتهم زعيمك ذاك باختطاف سحر واحتجزها..والله وحده يعلم ماذا فعل بها أيضا.. هل هي حية أم ميتة"... رفع سبابته ساخرا منها وهو يخفض إصبعها المرفوع في وجهه.
إذن..اهتمي بشؤونك حتى لا تلقي نفس مصيرها.. " ثم ركب سيارته تاركا إياها في حسرة على قريبتها 😥

جلس ببرود وسط الصالة يلعن تحت انفاسه نحيب زوجة أبيه المثير للغثيان وبكاءها المصطنع والمتواصل.. كم يمقت المنافقين والكاذبين.. منذ أن صار والده طريح الفراش وهي كالمسعورة تلهث خلف أملاك زوجها وإحصائها وتحريض ابناءها ضده...هو يعرف جيدا من أي طينة هي...والمثير للإشمئزاز وجود طفيلي كصهرها التافه.. يغني على موّالها طوال الوقت ويردد كلامها كالببغاء...نزل جينكار وأخبر الزعيم أنه تم غسل المتوفى وتكفينه وفق الأصول والطبيب الشرعي قام باللازم واستصدر تصريحا بالدفن..كما أن الناس بدأت تتوافد للتعزية ومرافقة المرحوم إلى مثواه الأخير..

أثناء مراسم الدفن المهيبة.. ألقى الجميع نظرتهم الأخيرة على نعش هارون كريملي بعيون فارغة متوارية خلف النظارات السوداء ووجوه شاحبة وجامدة لا يُعرف منها العدو من الحبيب...همس رسلان لمنار بحنق .."لا أفهم لماذا أبعدوني عن معاينة المرحوم كوني طبيب العائلة..حتى أنهم منعونا من إلقاء نظرة أخيرة عليه...أمك هي الأخرى لم تراه أبدا..هذا غير طبيعي أبدا" ..لترد منار بانزعاج محاولة اسكاته..."متى كانت عائلتنا طبيعية حتى تتفاجأ هكذا..دعنا لا نخوض في هذا الكلام هنا يا رسلان"..كان ضيا أكثر أبنائه تأثرا وحزنا..لوفاة والده ليس لأنه كان أبا حنونا معه..فالحادث الذي ألم به كسر شوكته وأزال قسوته مما مكّن ضيا من الاقتراب منه ونسج علاقة طبيعية معه.. عزاؤه الوحيد أن الزعيم قد عوض مكانه منذ مدة طويلة وطالما كان سنده ومنقذه من المآزق مع والده الفج والقاسي..رفع بصره إلى الزعيم يكاد عقله يشل من تمثال هرقل هذا.. واقف بثباث وسحنته جامدة لا توحي بشيء فقط عيناه مستقرتان على نعش والده وهو ينزل في القبر ببطء وحرص شديد...من يدري ماذا يدور داخل جمجمته اللعينة..هو قاسي وحش لا يرحم.. لكنه صار الأب والحامي والحامل للواء آل كريملي من بعد والده...ربما هكذا أفضل لنا نحن..هكذا اطرق ضيا في التفكير حتى انتهت مراسم الدفن وانسحب الناس وتفرقوا كل إلى سيارته...
كان آخر الواقفين على ذلك القبر الحديث يحدق من وراء نظاراته السوداء إلى الشاهد (هنا يرقد المغفور له هارون كريملي 1956_2021 ) فجأة شعر بيد تحط على كتفه كحمامة السلام..دون أن يلتفت عرف صاحبة تلك اليد الحنونة صاحبة الكف الرحب بالسكينة والحب.."Mi más sentido pésame mi hijo" (تعازي الحارة لك يا بني)...
"gracias mamá" (شكرا أمي)
"ولو أني أعرف أنك ترقصين فرحا في داخلك..لست مضطرة لأن تواسيني..فجانب مني يشاطرك فرحك.. بنهاية الطاغية.."
"لا يا بني للموت هيبة وقداسة تجعنا ننسى كل شيء رغما عنا...وتجعلنا نغفر حتى نرتاح..لمّا رأيته طريح الفراش زال ألم قلبي واندمل جرح السنين.. فقد انتقمت منه الحياة...وأخدت حقي منه.. الحياة أقصر من أن نضيعها في الأحقاد..لكننا لا ندرك هذه الحقيقة إلا حين يدرك الموت أحدنا... فانسى كل الماضي وارمه وراء ضهرك وتطلع بنظرة تفاؤل للمستقبل...لقد تحررت منه يا يمان وتستطيع أن تنفض عنك ذلك الزعيم الفض والقاسي.."
"أنت تخاطبين الزعيم يا أمي وليس يمان..مهما فعلتي لن تفلحي فقد كانت بصمة أبي الوراثية اطغى من بصمتك.. أنا الزعيم ولن أكون غير ذلك..بل لا أستطيع أن أكون أحدا غيره.. كل شيء يقودني إليه...اقبلي ابن هارون كريملي وانسي ابنك فهو قد مات يوم انتزعوه من حضنك.."
تأبطت ذراعه وهي ترتدي نظارتها السوداء.."لكنك ابني الوحيد وتحمل دمي..ولن اتنازل لذكرى رجل ميت" ..مشيرة إلى القبر..."Qué descanse en paz ! (فل يرقد في سلام)"...وغادرا المقبرة معا.

the hell of your eyes  (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن