منتهى العبث حين تظن أنك تملك زمام حياتك وتسيطر عليها..حين تعتقد أنك في الطريق الصحيح نحو السعادة.. أو ربما تعتقد أنك ممسك بها وتعيشها.. فجأة تكتشف عكس ذلك وتجد نفسك أمام نفق مسدود لا طريق سوى طريق العودة من حيث بدأت...تعود ادراجك وانت تجتر مرارة الفشل واليأس...تعود مثقلا بالذكريات التي لا يمكنك التخلص منها بسهولة...بروائح وأنفاس تقض مضجعك..بكلمات ولمسات كالطعنات في القلب..
هذا ما وجدت سحر نفسها تعيشه وتختبره بكل قسوته وعبثيته..هبطت على أرض الواقع عائدة من بلاد العجائب..بلاد الاحلام والاماني الساذجة..كان لم تحيى فيها أبدا..كانها اضغات أحلام أو سراب وهم...
مرت 6 أشهر كأنها 6 قرون طعنت كل ما هو جميل في نفسها..تحاملت عليها الوحدة والفراغ لتنهشا روحها الملتاعة...لكنها لم تتوقف عن الابتسام في وجوه المارة وعابري السبيل قبل وجوه الأصدقاء والأحبة كانها تقول لهم... "أنا بخير"...
عادت إلى جامعتها وكرست نفسها للعلم والتحصيل ولم تترك أي شيء يلهيها عن دراستها حتى عملها في بيع الزهور قد توقفت عنه مع بداية السنة الجامعية رغم أنه كان متنفسها الذي يخرجها من كآبتها خاصة بوجود أنستازيا المرأة التي تركت أثرا جميلا في نفس سحر..والتي دعمتها في قرارها وشجعتها..لذلك لم تنساها سحر بل كانت تزورها في عملها بين الفينة والاخرى لتلقي عليها التحية وتشتري منها باقة ورد تجمل بها قبح الفراغ والوحدة في حياتها..
كانت جالسة في مكتبة الجامعة تقوم بالبحث في المراجع القانونية كعادتها..لتفاجأ بصوت غريب يشتت انتباهها عن الدراسة لترفع رأسها وتجد رجلا أربعينيا غريبا يجلس بجانبها ممسكا بكتاب يتخذه ساترا لوجهه ويهمس بحذر..: إلتفتي إلى ما تفعلينه حتى لا تثيري انتباه أحد...واسمعي ما سأقوله.. شعرت بغرابة الموقف فأعادت النظر إلى الكتاب قائلة..:من أنت؟..وماذا تريد مني؟
رد بصوت هانس..: أنا صديق والدك القاضي فاروق أوغلو.. أعمل صحفي تقصي..ما إن سمعت اسمه حتى سرت قشعريرة في جسدها..واصل كلامه قائلا..: أنا والمرحوم كنا نعمل على ملف غاية في السرية والخطورة والذي كان بحوزته قبل أن يموت.. اخبرني أنه في حال حصل له مكروه فسيكون الملف بأمانتك حتى أعود..دون أن تلتفت إليه سألت باستغراب..: بأمانتي أنا؟!! كيف؟... أبي لم يوصيني بشيء وليس لدي أي فكرة عما تقوله فرد بتوتر..: بلا والدك ترك لك سرا خطيرا يجب أن تسلميه لي..تكلمت سحر بحزم..: عفوا أنا لا أعرفك وأسلوبك في التحدث معي مثير للشكوك..لماذا لا تتحدث كالناس الطبيعية...ليرد بحذر..: لأنني مراقب ولا أريد أن يُكشف أمر كلينا.. فقط ابحثي بين اغراضك عن فلاشة صغيرة وسلميها لي غدا في مثل هذا الوقت هنا..وينتهي كل شيء..
لوت شفتيها وهزت رأسها..:حتى لو وجدت الفلاشة لماذا سأسلمها لك وأنا لا أعرفك ولم يسبق لي أن رأيتك مع أبي..مرّ على وفاة والدي أكثر من سنة أين كنت كل هذه المدة.؟...رد عليها وهو يتصبب عرقا لاعنا تحت انفاسه طول المحادثة أكثر من اللازم.. إن كان مراقبا فلا بد أنهم وضعوا سحر في القائمة السوداء..كان يتوقع ألا تصدقه أو تذعن لمطلبه وهي لا تعرفه أصلا..فأخرج من جيب معطفه صورة تجمعه بالقاضي ليضعها على الطاولة فنظرت إليها سحر بعيون حزينة ووجه شاحب أنه والدها يلعب البيتونك (الكرة الحديدية) مع الصحفي وهو مبتسم في وجهه...:قد لا تكون الصورة دليلا كافيا لكنه أخبرني عن العشاء الأخير قبل موته.. وأنه خيّرك بين العائلة أو المبادئ..
ابتلعت ريقها لتسمعه يواصل كلامه..: انت اخترتي المبادئ..لكن هل تعلمين ماذا اختار والدك تلك الليلة؟...لقد اختار العائلة..اختارك أنت.. فتنازل عن قضية يلتشن ليحكم فيها قاضي غيره.. قاضي مرتش يبيع ذمته بالمال..والدك لم يبع ذمته لكنه استسلم من أجلك..ولأنه غير قادر على فتح جبهة ثانية مع اقترابنا من فضح أسرار خطيرة..ففعل ما فعله حتى يحميك انت....
تجمدت الدماء في عروقها هذا آخر شيء توقعت سماعه..تنازل من أجلها لكنه مات بسببها..اختنقت فيها العبرات ودون أن تحرك رأسها قالت..: حسنا سأفعل ما بوسعي لكن لا تتأمل شيئاً...سكتت تنتظر رده بلا فائدة لترفع رأسها نحوه إذ به قد إختفى تماما كأنها تحدث نفسها كالبلهاء.. إلتفتت خلفها لتلمح ظله الطويلا يتوارى خلف باب المكتبة الكبير.. أغلقت الكتب والمراجع لتنهض من مكانها لشعورها بعدم الارتياح كأن أحدهم يراقبها..لتقرر العودة للبيت مبكرا قبل انتهاء الدوام الجامعي..
فتحت باب بيتها كالعادة دون أن تتخلى طوال الستة أشهر عن عادة التحديق بسقف الباب لتتذكر أن تلك الكاميرا..عين الزعيم عليها قد خلعتها من مكانها وحطمتها حتى لاتتذكره مع ذلك في كل مرة تفتح الباب للخروج او الدخول تعود إليها الذكريات..خاصة اللحظة التي هبطت بها الطائرة وحيدة من دونه لتجد نفس أولئك النسوة اللائي أخذنها من أمام المتنزه ذلك اليوم ينتظرنها لمرافقتها إلى مقر سكنها رفضت في البداية غير أن مواء قطتها الصادر من السيارة قد جعلها تركض نحوها لترمياها داخلها وتتجهن بها إلى حيث أخذنها عنوة مع قطتها snow أول مرة.. كأن شيئاً لم يكن..
أغلقت باب بيتها لتباغثها رائحة المنظفات فعرفت أن نازلي جاءت لتنظيف البيت..وضعت مفاتيحها واتجهت للمطبخ لتلقي عليها التحية قبل أن تصعد لكن لم تجدها لتناديها بصوت مرتفع فجأها صوت نازلي من الاعلى..لتصعد سحر وتجدها تقوم بتنظيف ورشتها الخاصة وصوت المكنسة الكهربائية يملأ المكان...كانت تتأفف من كمية الاتربة والغبار الناتج عن الصلصال الذي تستعمله..: لا أعرف ما الممتع في صناعة هذه التماثيل البشعة يا ابنتي؟ سوف تتسببين لنفسك بضيق التنفس من كم الغبار الموجود هنا...لتجيبها سحر بتذمر..: من قال لك أن تنظفي هذه الغرفة؟..ألم أوصيك بعدم الدخول إليها؟.. اطفأت نازلي المكنسة قائلة..: لكن حالة الغرفة سيئة لا أستطيع تركها هكذا.. لترد عليها سحر..:إذن نظفي دون أن تحركي شيئا من مكانه.. نظرت نازلي حولها..: حسنا لن ألمس شيئًا سأنظفها بسرعة وأخرج ..ثم أشارت إلى تمثال الصبار قائلة بتوجس..:أساسا ذلك التمثال برأس الصبار يجعلني أتوتر.. أي فن هذا يا ربي لو اتخلص منه لأن شكـ... قاطعتها سحر بضيق وتأفف..: اهتمي بعملك نازلي ولا شأن لك بتماثيلي..سأغفو قليلاً فلا تصدري ضجيجا لو سمحتي..أنهت كلامها لتتجه إلى غرفتها وهي تلعن نفسها لعدم قدرتها على التخلص من ذلك التمثال الذي يذكرها بالزعيم.. أصلا حين عادت من إسبانيا وجدت اغراضه الخاصة قد اختفت ولم يتبقى لها سوى تلك القنينة الفاخرة كذكرى وحيدة..تدل على أنه كان هنا في يوم من الأيام...حتى رائحة الصندل والبرغموت غابت من ذاك الحين لتترك فراغا مريعا في نفسها المرتعبة حين تستيقظ في منتصف الليل وقلبها يخفق ظنا منها أنه في زاوية من الغرفة يراقبها في صمت وبرود.. فلا تجده أو تجد رائحته..حتى أنها تنير أضواء البيت كله بحثا عنه حتى يتملكها اليأس وتدرك أنها مجرد هلاوس.. وأنه لم يعد له وجود في حياتها إلى الأبد..فعلها وخرج من حياتها كما وعدها..فهو رجل يحفظ العهود😢..
استحمت وارتدت ثيابها الشتوية وهي تستحضر حديث المكتبة مع ذلك الرجل الغريب..شعرت بالتعب لتؤجل البحث عن تلك الفلاشة إلى وقت آخر.. لتأخذ قيلولة صغيرة وتريح جسمها المنهك..غير أنها لم تغفو إلا لخمس دقائق لتستيقظ بعدها على هدوء مريب يكسره صوت أقدام متسارعة وطقطقة سريعة..لسبب ما تسارعت دقات قلبها لدرجة أنها تسمع دقاته في اذنيها كطبول الحرب...نهضت من سريرها باتجاه الباب تغالب مخاوفها وتحاول نفْض الأفكار البشعة عنها..فتحت الباب لتنادي نازلي بصوت مرتجف لكنها لم تجب..فمشت ببطء باتجاه الدرج لتنزل إلى الاسفل حتى وقفت في الصالة تنظر بعيون جاحظة من الرعب إلى جسد معلق بخطاف من الرقبة وسط الصالة.. إنها نازلي بجسدها المتخشب والمدرج بدماءه الحارة تملأ المكان في مشهد مروع عجزت منها حنجرة سحر عن الصراخ...💀خاصة بوجود اشخاص ملثمين بالسواد لا يظهر من ملامحهم سوى أعين مخيفة يتطاير منها الشرار باتجاهها وهم يحملون أسلحة في خاصراتهم وأيديهم يسدون كل المنافذ في وجهها...مسكينة نازلي أي ذنب ارتكبت حتى تستحق ميتة كهذه.. لديها أطفال تعولهم وليس لهم غيرها..ارتعبت كل ذرة فيها لتتقهقر إلى الوراء وهي لا تدري من أين جاءتها القوة لتقف على قدميها أصلا.. أرادت الهروب إلى الأعلى كونه المهرب الوحيد لها لتصل إلى هاتفها وتطلب النجدة غير أن ضهرها اصطدم بهيكل صلب وعملاق لتلتفت بكل رعب وترى موتها المحقق في عيون ذلك الضخم..حينها فقط أطلقت صرخة مدوية سرعان ما كتمتها قبضة فولادية كادت تكسر فكها من قوتها..
أنت تقرأ
the hell of your eyes (مكتملة)
Fanficترجلت عن سيارتها باتجاه باب المنزل فأثار وجود رجال ببدلات سوداء حفيظتها... أحست أن أمرا غريبا يحدث في الداخل.. لم تكن تلتفت أمامها وهي تتجه ناحية الباب حتى اصطدمت بجسد أشبه بحائط اسمنتي من شدة صلابته وطوله..يا إلهي كم بدت ضئيلة الحجم أمامه....كان يم...