خرجت إلى شرفة الجناح لتستقبل أولى حبات الثلج المتساقطة...حبات كاللؤلؤ في لمعانها وكالريشة في خفتها معلنة عن شتاء بارد وقاس..
راقبت في صمت تام منظر الحديقة وهي تتخلى عن ثوبها الأخضر لتكتسي بحلة ناصعة البياض.. بينما عقلها سرح عائدا إلى ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه سر أبيها.. وسر زوجها..
تذكرت حين دخل عليها وهي تبكي فتحججت بأسخف ما في الحجج.."المسكرة".. ادّعت أن بكاءها كان بسببها وهو ادّعى أنه صدقها.. ربما لأنه لا يريد فتح جروح الماضي ولا رؤية الشفقة والرأفة في عينيها.. هو تعود أن يرى نفسه في عينيها بأبهى حلة.. بكامل رجولته وعنفوانه وهيبته ووقاره.. تعوّد أن يرى ذاك البريق الآسر في عينيها وهما تنطقان بأسمى معاني الحب لدرجة التبجيل والتقديس.. تلك النظرة كانت تحرق شياطينه وتطفئ غضبه وتخمد نيرانه المتقدة طوال الوقت.. مروج عينيها كانت جنته التي يغفو فيها ويستريج من جحيم ذكرياته التي تفتك به...
ماذا سيحدث له إن غاب انعكاسه الجميل في عينيها واختفى بريقه ليحل محله شبح باهت تعكس ندوبه البشعة تعاسة روحه المعذبة..
لكنه لم يغب.. وبريقه لم يخفت.. بل يزداد جمالا وتوهجا في كل مرة يأخذها إليه بجنون ويغوص بداخلها إلى أعمق نقطة في روحها المتمردة.. كأنه يريد أن يشطب من ذاكرتها تلك الصور وحال لسانه يقول "مخطئة إن ظننتي أنه أنا".. فتهدأ نفسه الهائجة على صوت انينها الضعيف يعزف على وتر الحاجة إلى المزيد مقدما فروض الطاعة والولاء له..🔥
لا أحد من المقربين يعرف ما عاشه هناك إلاّ هي.. الرجل الذي عشقته حتى آخر ذرة فيها كان لغز حياتها.. أحجية معقّدة قطعت البحور والقارات لتلملم نصف قِطعه من بلاد الماتادور وها قد اكتمل لديها النصف الآخر حين اطلعت على الفلاشة.. فحُلّ اللغز أخيرا وباتت تعرف أين ولد الزعيم الإنسان وأين ولد الزعيم الوحش..
لم يكن من السهل إخفاء حزنها وألمها لحاله.. وكيف تفعل وصورة ذاك الصغير داخل القضبان تدمي العين والقلب.. لكنها حاولت وتصنعت وادّعت حتى إذا نفذت حِيَلها وغلبها قلبها المرهف.. هربت إلى حضن أنستازيا لتمارس طقوس الحزن والبكاء بلا قيد أو شرط.. بلا استنطاق ولا نظرة شك أو تأفف..
أخذت نفسا عميقا.. حين تذكرت ما حصل بعد خروجهما من ذلك المكان السري..
وهما في المصعد تلقى الزعيم اتصالا هاتفيا جعلت ملامحه تتغير على نحو مخيف وهو يلعن حياة أولئك الملاعين...فسألته بقلق..: هل من خطب؟ نظر إليها بعيون تقدح شرارا ليمسكها ويقتادها عبر مرآب السيارات..: سوف نلعب لعبة المطاردة.. ألستِ تحبين القيادة السريعة عبر الطرقات؟.. فتحت فاهها من الدهشة غير قادرة على تركيب جملة مفيدة.. نبرة هذا الرجل لا تبشر بالخير.. طالما كان اللعب معه هو ضربا من الجنون.. أدخلها مكتبا خاليا ليغلق الباب ثم شرع في إخراج سترات مضادة للرصاص من الخزانة آمرا إياها بارتداء واحدة تحت قميصها بينما شرع هو بخلع جاكيته وقميصه لارتداء الأخرى..: هيا سحر لا تضيعي الوقت.. أمام حدّته وحركاته السريعة.. نفّذت على الفور دون أن يتوقف لسانها عن طرح الأسئلة..: ماذا يحدث بحق الجحيم؟.. ولماذا سنرتدي هذه السترات؟.. ارتدى سترته محكما إغلاقها ليقترب منها ويحكم خاصتها حول صدرها..: رجال الاكاديمية يتربصون بنا خارج المبنى وعلينا الخروج من هنا بأي طريقة قبل أن تصل الإمدادت إليهم ولا نعرفَ الخروجَ من هنا إلاّ اشلاءً..تدفّق الادرينالين في جسمها بحدة وازداد خفقان قلبها..: لكن مهلة الهدنة لم تنتهي!!..فكيف يخلفون بوعدهم!؟.. رد وهو يساعدها في ارتداء ملابسها..: لو كنت أصدق وعودهم لكنا ميتين الآن.. فجأة تذكرت الفلاشة فسألت..: ماذا عن الفلاشة.. أليس من الخطر ترك المعلومات خلفنا؟.. هنا ابتسم بجانبية..: ما رأيته هو نسخة عن جزء من محتوى الفلاشة.. وهي مبرمجة على الحذف التلقائي بعد دقائق من مشاهدتها.. لتسأل بملامح مندهشة..: جزء من محتوى الفلاشة!!؟.. أين هي إذا؟.. رد ببرود..: في مكان آمن بعيداً عن متناول الأكاديمية..قطتي الجميلة... لعنت تحت انفاسها وعقلها كاد ينفجر مما فطن إليه خاصة أنه لم يتفاجأ من وجودهم حول المبنى.. لكنه لم يسعفها لبث شكوكها له..فأخرجها من ذلك المكتب متجها بها إلى السيارة التي سيقودها بنفسه بينما فريق من المقنعين يحملون أسلحة أشبه بالمدافع إلى سيارات جيب سوداء.. فتذكرت أنهم فريق المهمات الخاصة الذي استعان بها الزعيم في عملية انقادها.. فتح الباب الأمامي لتجلس بجانب مقعد القيادة وهي تراقب تحركاته عبر المرآة الجانبية والامامية.. المهم أنه لم يغب عن مرمى بصرها وعقلها كالالة يقوم بتحليل المشاهد التي يسجلها في محاولة لاستيعاب ما يدور حولها.. قبل أن يصعد إلى السيارة أصدر لهم إشارات مبهمة بيده لم تفهم منها غير إشارة واحدة تدل على التوقيت ليجلس في مقعده واضعا قناعا على رأسه وبلهجة آمرة..: ضعي حزام الأمان.. أخذت نفسها عميقا في محاولة لمنع أعصابها من الانفلات ثم التفتت إليه..: تعمدت المجيء بي إلى هنا رغم معرفتك بأنهم سيطاردوننا.. لماذا؟.. شغل محرك السيارة وهو يهز رأسه بمعنى "نعم" كأنّ دلوا من الماء البارد قد انسكب على رأسها وجمّدها إلى آخر عصب حسي في نخاعها.. اقتراب منها رابطا حزام الأمان حول خصرها وقبّلها على جبينها وهو يهمس..: ثقي بي حبيبتي.. ثم أنزل القناع على وجهه لينطلق بسرعة قصوى باتجاه حائط مسدود وقبل الاصطدام به غطت عينيها بذراعيها صارخة بأعلى صوتها من الخوف لتخترق السيارة الحائط الذي لم يكن سوى لوحة إعلانات تخفي المخرج عن أعين المارة لتجد نفسها في شارع مروري مزدحم خلف المبنى.. إنها ساعة الذروة والقيادة في بعض النقاط المختنقة مستحيل تماما رغم ذلك كان يقود بسلاسة ومهارة عالية متجاوزا السيارات لتظهر دراجات نارية من العدم تلاحقهما بسرعة موشكة على الاقتراب منهم.. هنا شعرت برعب حقيقي حين زاد يمان من السرعة مناورا بشكل خطير للإبتعاد قدر الإمكان عنها.. حتى ممر المشاة اتخده طريقا له غير آبه بالمارة فضاعت سحر بين الخوف عليهما والخوف على الناس..
أنت تقرأ
the hell of your eyes (مكتملة)
Fanficترجلت عن سيارتها باتجاه باب المنزل فأثار وجود رجال ببدلات سوداء حفيظتها... أحست أن أمرا غريبا يحدث في الداخل.. لم تكن تلتفت أمامها وهي تتجه ناحية الباب حتى اصطدمت بجسد أشبه بحائط اسمنتي من شدة صلابته وطوله..يا إلهي كم بدت ضئيلة الحجم أمامه....كان يم...