4

4.3K 172 18
                                    

الفصل الرابع

مرّت الأشهر المنصرمه عليهِ وكإنها أعواماً لا تُعد ولا تحصي فـ كم تمني بكل يوم يمضي أن تعود إليه ذاكرته و يكتشف هويّته و لكن أحلامه تضيع هباءً منثوراً، كان يأمل في كل مساء أنه سيفيق غداً وقد تذكر من هو و ماذا أودي بِحياته حتي أصبحت هكذا ليفاجأ بأنه لازال يحمل تلك الذاكرة الفارغه و يعود إليه الإحباط و خيبة الأمل من جديد.

نهض عن فِراشِه عندما إستمع إلي آذان الفجر ليتوضأ و يصلّي الفجر ثم جلس يقرأ بالمصحف الذي لا يعلم هل هو خلصّته أم أن أحدهما قد أعطاه له ثم إنتبه علي حركة مِصعب وهو يستعد للخروج إلي عمله فهرول ناحيته وقال: مصعب إنت نازل الشغل مش كده؟!

أومأ مِصعب قائلاً: أيوة يا محمد، عايز حاجه؟!

_عايز آجي معاك؟!

نظر إليه مصعب بتعجب وقال: تيجي معايا فين؟!

_هاجي معاك دريم بارك.

قالها يحيـي ساخراً ثم أردف بجدية: هيكون فين يعني يا مِصعب، هاجي معاك الشغل، أنا زهقت من القعده و عايز أشتغل.

قال مصعب شارحاً: أيوة بس إحنا شغلنا صعب و كله لم خرده و قرف، و إنت إيديك ناعمه شكلك إبن ذوات يعني ومش وش بهدله.

قال يحيـي مستنكراً: ملكش دعوة وش بهدله ولا لأ، أنا مصمم أشتغل معاك في الخردة، هو إنت أرجل مني ولا إيه؟

إبتسم مصعب قائلاً: لا يا عم راجل و زين الرجال، طيب خد إلبس دول وأنا هستناك بره علي ما تجهز.

قالها وهو يلقي له بثياب قديمه مهترئه إرتداها يحيـي بدون تفكير ثم خرج برفقته إلي العمل و الذي لم يكُن هيّناً أبداً ليقول مصعب وهو ينظر له: قولتلك إنت مش وش بهدله مسمعتش كلامي، أديك هنجت و نفسك إتقطع من أول يـوم أهو.

نظر إليه يحيـي وهو يزيل بيده حبات العرق المتناثرة فوق جبينه ثم قال: لأ متخافش عليا، ده عشان أول يوم بس.. قوللي بقا بعد ما نخلص لم الخرده دي هنعمل إيه؟!

أجاب مصعب قائلاً: هنحملها مع السواقين في العربيات و هنروح عالمخازن و نفرزها هناك و كل حاجه وليها مكانها بقا.

_زي الزباله يعني!

قالها يحيـي ليومأ مصعب موافقاً ويقول: بالظبط كده، بس الفرق بين جمع الخرده و الزباله إنها أنضف شويه و فلوسها أكتر كمان.

أومأ موافقاً وقال: طيب يلا نخلص عشان الوقت ميسرقناش، بلاش المعلم ياخد مني موقف من أول يوم.

ثم عادا كلاً منهما يباشر عمله بصمت لم يقطعه أحدً منهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أفاق سليمان من نومهِ بإرهاق و تعب ليكتشف أنه فقط كان يحاول النوم عبثاً و أن النعاس لم يكحل جفنيه أبداً طوال تلك الليله المنصرمه لينهض عن فراشه مسرعاً و هو ينوي أن ينفذ ما بات يفكر به الليل بأكمله لتستوقفه زوجته قائلة: صباح الخير يا سليمان، مالك وشك تعبان كده ليه؟!

ليتني مِتُّ قبل هذاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن