طرق باب غرفته فخرج من ذكرياته على والده الذي دلف إلى غرفته مغلقاً إياها خلفه و قد رآه مستيقظاً .. لم يجادله أو يبدأ أي حوار معه و كذلك فارس ، بل تقدم نحوه ببطء لكن الأصغر نهض ليغادر إلا أن أوقفه سالم حين أمسك ذراعه يقول بهدوء :
" لنتحدث .."" لا أريد الحديث معك ."
قاطعه بهمس لكن سالم تنهد يصِّر :
" لبعض الوقت؟ ."لم يجادل فارس و اكتفى بالايماء موافقاً ، انتهى بهما يجلسان قبالة بعضهما ، ما زال فارس لا يتقبل وجوده و ما زال سالم يحاول تهدئة نفسه و تنقية كلماته بعناية .
" كيف حالك يا فارس ؟ ."
لحظات يفكر بسؤال والده ، أجاء فقط ليسأل عن حاله؟! ألا يرى حاله التي وصل إليها؟! .. و بسبب من ؟ بسبب والديه ، بسببه هو!!
حين لم يجد سالم رداً أكمل :
" ألم تفكر بمحادثتنا حين كنا بعيداً عنك؟ .."" و لما أفكر بأشخاص قد نسوني؟ أشخاص تخلو عني؟! "
العلاقة بينهما تكاد تنعدم ، تكاد تمحى!! .. و فارس ينوي ذلك بكل جدية ، لم يعد يهتم بكونهما والديه ، فكرة تخليهما عنه لا تزال بذاكرته ، تعيد مشهد الرحيل مراراً و تكراراً و تزيده إصراراً !!
لحظات يفكر كيف يبدأ الكلام ، القسوة لن تجدي نفعاً ففارس إن تمت معاملته بعنف قد ينهار!! ، و إن عامله برفق لن يتفهمه ، إذاً ماذا عليه أن يختار ؟!
رفع يده حيث خصلة من الأصغر تغطي عينه ، كاد يرفعها خلف أذنه لكنه تفاجأ بفزع فارس و إبتعاده عنه بخوف لم يلبث أن هدأ ، تحت استغراب سالم و هدوءه و هو يعيد يده بجانبه و يقول :
" فارس تعلم أننا نحبك صحيح؟ "رفع وجهه محدقاً به بخفوت ، "نحبك؟!" .. ربما أول مرة يسمعها من والده ، لكن أتشفي ما به من ألم؟ .. أتعوضه ما فاته من سنين ؟! .. لا ، فلا شئ يعوض الماضي الذي رحل .. لا شئ أبداً!
ناظره سالم بهدوء ، من صمته علم أنه يُكذِّبه ، لهذا كان عليه أن ينهض ، تنفس بعمق و هو يختلي بنفسه أمام النافذة ، الهواء مشتد و رغم البرد كانت النافذة مفتوحة ، لا يفهم كيف يفكر صغيره ؟ .. لم يعد يفهم ما يريده؟
بالخلف ظل يناظره الفتى بصمت ، ثم لامس قلبه و تعانقت عينيه في ألم ، ليته يخبره أنه يحبه كذلك ، لكن ما فعلاه جعله يختلي بصمته ، لا يزال غاضب ، حاقد عليهما ربما!
حين فتح عينيه كان الأكبر قد غادر غرفته ، دون كذب على نفسه فهذا ألمه أكثر!! .. فحتى والده لا يفهمه!!
أنت تقرأ
نيكتوفيليا "مكتملة"
Fantasy"تعلَّم كيف تكون وحدك ، لأن يومًا ما ستجد نفسك وحيدًا ." كلمات قالها لي متسول مجنون يسير في الشارع مقهقاً ، قبل سنتين من وجودي بهذا المنزل الكبير الذي يخص عائلتي و عائلة والدي ، بعدما تركني والداي و قد سافرا سوياً لإحدى دول انجلترا تاركين إياي وحيد...