بمرور الأيام أُصبح شخصًا أخر ، شخص متفتح أكثر ربما ، فضولي أكثر ، و هادئ كذلك .. لكن هناك شئ لم يتغير ، و هو أنه مازال يهويني الليل ، و تهزمني الكوابيس إن غفوت دون قصد ، كنت مازلت أعاني من مشاهدتني للنجوم كل ليلة بمفردي .. ملازمًا وحدتي ..رغم أن أمي أصبحت تصيح كل يوم أن أستمع لحديثها و أخذ دوائي و أهتم بنفسي الإ إنني كنت أتحداها و ينتهي بنا الأمر نتشاجر كالأطفال ، أبي كان يبتسم ، كنت أراه يكتم ضحكته حتى لا تنتقل توبيخات الوالِدة إليه! و رغم كل شئ و رغم إسلوب الإجبار الذي أخضع إليه كنت أحب تعاملهما .. أشعر أني طفل و أعيش طفولتي التي غادروها لأكبر بمفردي .. مر شهرين منذ ذلك اليوم ، الأيام تمر سريعاً حقاً ..
و الأحوال تتبدل .. ربما أنا كذلك بدأت أتغير لكن ..بداخلي أنا لم أرد هذا !" فارس ، لم تتناول الغداء صحيح؟ "
رفعت عيني عن كراس الرسم خاصتي ، كنت أجلس هذه المرة بالصالة أحتضن الكراس بنظراتي و يدي تتحرك بكل تناغم لأرسم .. حتي وجدتها تقف أمامي و تحدق بي بغير رضا .. لكني أجبتها ببرود:
" اليوم طويل ، لا أريد الأن .. دعيني أرسم فقط دون إزعاج ."كنت قاصداً أخر كلمة لأغيظها و لكن هي لم تفعل ، ثم تفاجئت بها قد رمت نفسها إلي جانبي تحدق بما أرسم ، فحدقت بها ببرود و قد توقفت عن الرسم !
" أنت بارع .. هل هذا هو نادر ؟ "
أبعدت عيني و إحتضنت الكراس بإحراج ، فابتسمت و امتدت يدها تمسح شعرى بحنان و تسألني:
" هل نادر بكل هذا القرب منك؟ .. دائماً أراك ترسمه لكني لم أستفسر منك ..دعني أرى الكراس؟ "لم تتمهل أن تسمع ردي حيث كنت سأرفض ، لكنها سبقتني بسحب كراستي من يدي لتقتحم خصوصياتها ، تُقلب و ترى أن الكراس مليئة برسومات لنادر و أنا بوضعيات كثيرة ، لا أعلم لما أفعل ذلك ، لكن نادر كان شخصاً لطيفًا ، و صديقًا مخلصًا ، و أنا أحبه جداً فكنت أعبر عن كل موقف أردت فيه إخباره بأني أُفضِّلُه عن أي أحدٍ بأن أرسمه بكراسي ، دون أن يعلم أنه يقتحم جدراني و يفتتها !! كان هو عالمي !
توقفت هي علي رسمة ، كانت لكلينا ، ناظرَتَها بأعين ضيقة لا تفهم .. ثم نظرت لي :
" فارس ، لما لا ترسم وجهك؟ .. كل ما ترسمه هو نادر و أما أنت فترسم كل شئ عدا ملامحك ، لماذا؟!"أحرجتني بهذا السؤال ، لهذا السبب لم أرد لها أن ترى رسمي! .. كنت كذلك ، أحياناً أرسم ذكرى أو إثنين نكون أنا و نادر معاً لكن ملامحي ، حين آتي لأرسمها أتوقف .. أصبح مشتتاً ، لا أذكر كيف هي مهما نظرت في المرآة ، ثم ينتهي بي المطاف بأن أتركها !
" لا أحب أن أرسمها ."
كذبت!! ، ثم شعرت بالندم لكن لم أتجرأ أن أصحح موقفي ، لا أريدها أن تعلم السبب !!لم تجادلني هذه المرة ، بل ربتت علي شعرى و نهضت تقول بلطف :
" حين تريد أن تأكل أخبرني ."
أنت تقرأ
نيكتوفيليا "مكتملة"
Fantasy"تعلَّم كيف تكون وحدك ، لأن يومًا ما ستجد نفسك وحيدًا ." كلمات قالها لي متسول مجنون يسير في الشارع مقهقاً ، قبل سنتين من وجودي بهذا المنزل الكبير الذي يخص عائلتي و عائلة والدي ، بعدما تركني والداي و قد سافرا سوياً لإحدى دول انجلترا تاركين إياي وحيد...