المقدمة

5.1K 144 6
                                    

إهداء
إلى قارئي روايتي السابقة"زهرة الهاشمي" أقدم لقلوبكم الراقية هذه الرواية كمحاولة مني لإرضائكم على عدم التزامي بموعد النشر لظروف ألمَّت بي حينها وأعدكم أن أبذل قصارى جهدي كي لا تهرب من هذه إحدى الحلقات عن موعدها.

المقدمة
------------
"مبارك يا زوجي المصون"

فاه جملته الساخرة وعيناه لا تبارح تلك الباكية أمامه بفستان زفافها الأبيض الشاحب، لو كان بيده لأجبرها على استعاضته بآخر من الأسود الفحمي الذي لن يختلف كثيرًا عن ذاك السواد المعبأ بقلبه تجاهها ولكنها العادات والتقاليد تقف حاجزًا أمام رغبته.

لم تقوَ على رفع عينيها تجاهه بعد ذلك المشهد المخزي الذي سبق هذه الليلة بخمس ليالٍ لا أكثر فآثرت أن تبقى على صمتها كي لا تثير غضبه الذي لم ترَه سوى في تلك الليلة التي علمت بها بأن أيامها المقبلة ليست سوى عذابٍ ستحياه على يداه بملىء إرادتها.

تحركت يدها اليمنى على استحياء تتشابك بنظيرتها  وتلتف معها لتدل على توترها من  هذا الموقف الذي لا تدري ماذا عساها أن تفعل به.

كادت أن تعود بظهرها لتجلس على المقعد الوثير الكامن أمامها ببيت الزوجية الذي دخلاه لتوهما إلا أنها توقفت حينما استمعت إلى حركته الساخرة التي افتعلها قبل أن تنصت إلى نبرته الهاتفة بتهكم

-مفيش داعي للحركات اللي بتعمليها دي، مبقتش الغبي اللي بيصدق أي تصرف بتتصنعيه أدامه

تجمعت الدموع بعينيها وتسارعت دقات قلبها جاهدة لتلاحق أنفاسها  الحارة التي لم يبغض أكثر منها في هذه اللحظة ثم همست برجاء وصوتٍ بُح من كثرة البكاء
-عبدالرحمن

التقطت مسامعها زمجرته الخشنة السابقة لنوبة غضبه التي اختبرتها سابقًا  فسارعت تهتف إليه برجاء أكبر بعدما تشجعت عينيها للنظر إلى عينيه التي لطالما أغدقتها بحنان العالم بأسره

- مش عايزة منك غير إنك تسمعني وبعد كدا اعمل اللي أنت عايزه، أرجوك اسمعني.. أرجوك

-الزبالة بتستحق إننا نهتم بيها وبنجمها بين الفترة والتانية عشان متعفنش، أما اللي زيك فملهمش غير الهجر والتجاهل وعدم الإحترام
بهتت من وقع كلماته القاسية التي أوصلت إليها إلى أي مدى يبغضها ولم تستطع السيطرة على ارتعاش شفتيها الذي بدأ في التزايد مع كل لحظة تنتظرها  أمامه، وقبل أن ينهار بنيانها ويسقط قوامها الهزيل كان قد دلف إلى إحدى الغرف وسحب الباب خلفه بقوه جعلتها تنتفض بمكانها، رفعت نظرها  إلى أثره فلم تجد أمامها  سوى باب الغرفة المشبه بلون القهوة المغلق أمامها، ضغطت على قبضة يدها بقوة  واعتصرت عيناها ندمًا على ما اقترفته في حق نفسها أولا.. ولكن أيجدي الندم نفعًا بعدما صارت الرحلة على شفا حرف من الانتهاء؟!

بقيت على حالها لساعاتٍ لم تشعر  بمرورها إلا على استماعها لباب غرفته  الذي فُتح لتوه متناغمًا مع صوت آذان الفجر الذي يصدح في جميع الأنحاء ، ارتجف بدنها بقوة وتفاقم ارتعاش مفاصلها كعادتها في الآونة الأخيرة حينما تستشعر  حضوره وقبل أن تجرؤ على الالتفات إليه كان قد حطَّم مسامعها صوت الباب الذي أغلقه بقوة أفصحت  عن حجم الجحيم المشتعل بداخله، تحاملت على جسدها وهي تنهض من مكانها  بضعفٍ، ترنحت في مشيتها وكادت أن تسقط من فرط الألم الذي يفتك برأسها نتيجة لدموعها التي أقسمت ألا تبارح وجنتيها منذ تلك الليلة التي تعهد بها خيرُ سندٍ بأن لا يجلب لها سوى ما يجعل أعضاءها تبكي دمًا نعيًا  لما أحل بها، هدتها خطواتها تجاه المرحاض الملحق ببهو المنزل وقبل أن تخطو أولى خطواتها للداخل وقعت عينيها على المرآة
الملتصقة فوق حوض المياه السابق للمرحاض، تسمرت نظراتها على وجهها الذي لم تفلح أدوات الزينة في إخفاء شحوبه ولم تشعر بنفسها وهي ترفع كفيها على صفحتي وجهها تلطمهما بقسوة ماثلت نظرات عينيها الحاقدة على نفسها وهي تهتف بانهيار مصحوب بالصراخ وصوت يفيض ندمًا
-ربنا ياخدِك... ربنا ياخدِك

فما أسوأ على المرأ من أن يستفيق من دوامة الغفلة على الدورة الأخيرة التي لم تكن سوى تمهيدًا للنزول.

لطيفها عاشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن