الطيف الرابع

1.8K 92 19
                                    

رواية لطيفها عاشق
الطيف الرابع
"أحيانًا ما تتشابه علينا جميع الطرق فنضلّ السبيل ولم نجد أمامنا سوى البوح"

فاضت الدهشة من عقل أبيه حتى أغرقت والدته التي تبعت الأخير بفضول، لتهرول والدته تجاهه ويداها تلتقط يديه تسأله بلهفة وعيون بدى الرجاء فيها جليًّا
- بتتكلم جد يا عبدالرحمن؟ اللي أنا سمعته دا صح؟ رد عليا بالله عليك

ليرفع يديها التي تحتضن كفه من بينها ملثمًا إياها بين شفتيه ثم أومأ إليها بابتسامة وأدت جميع مشاعرها السلبية التي كان قد أيقظها عزوفه عن الزواج، أخرجهم من طوفان المشاعر الذي غمرهم سؤال والده الصريح
- عشان كدا مكنتش راضي تتجوز؟ كنت ناوي على دنيا؟
صمت عبدالرحمن ولم يتحدث ليسأله أبيه باندهاش
- وليه معرفتناش على الأقل مكانش حد هيزن عليك ودنيا نعرف أبوها عشان متتخطبش

- عشان مش عايز نتكلم في الموضوع قبل أوانه عشان مكررش موضوع أحمد ورقية.. كنت مستنى على الأقل تخلص ثانوية بس أدام في احتمالية إن حد يخطبها فمفيش داعي للانتظار

لم يذكر شيء عن مشاعره، بل كل ما تجرعه قلبها من كلماته هو رغبته في الزواج منها دون ذكر تفاصيل أخرى وحديثه هذا لم يصل بوالدته حد الارتواء، هي تعلم أن ولدها يتصف بالحياء الشديد، بل لم تتوقع أبدًا أنه سيعرب عن مشاعره لإحداهن أمام أحد، ولكن هذه ليست أي فتاة.. بل دنيا.. ابنتها التي لم يلفظها رحمها وتريد أن تستمع عن عشق ابنها لتلك الفتاة حد الثمالة.. فابنتها عانت من جفاف المشاعر بل كانت تعيش وسط قلوب جرداء وتستحق أن يهيم بها قلب خصب يمطرها بفيض عطاياه التي لا تنتهي.

لم تقدر على الصمت في هذه اللحظة، فطلب ولدها المتعري من مشاعر تخبيء عيوبه لم يشبعها فقالت
- وليه دنيا؟ ليه مختارتش حد تاني؟
في الوقت الحالي لا يريد الإفصاح عن شيء من حبه، فهو يعلم أن العلاقات لن تظل كما هي إن رفضته دنيا، فكيف ستكون إذا إن علم الجميع بحبه لها؟! ليجيب والدته بما أثار غيظها:
-هي مناسبة ليا.. إيه يخليني أخطب حد غريب.. بنت عمي اللي عارفها أفضل.
تلجلجه في الحديث هذا وعيناه اللتان تأبى معانقة أعينها أشعراها بأن ولدها يخفي أكثر مما يبوح لتكمل حديثها بتحدي
- طيب ما عندك مريم بنت عمك وريهام كمان اشمعنى دنيا يعني.
بدت كلمات والدته وكأنها تترجاه لينفجر بما أحكم قبضته حوله على مدار السنوات السابقة إلا أنه برع في إخفاءه كما السابق فأجابها
- أنا شايف دنيا مناسبة ليا أكتر ومتأكد إني مناسب ليها هي مش هتعرف تتعايش مع حد غيري أصلا.

ثقته بنفسه وحديثه المتقين هذا كشف عن شيء ما إن اطلعوا عليه لفزعوا مما يستتر بقلب ولدهم، فكلماته ليست كلمات يتحدث بها حبيب عن من أحب، بل كلمات شخص عاشق.. متملك بطريقة مرضية من الممكن أن تؤذيهما هو ودنيا بأحد الأيام ولكن الله كان رحيمًا معهما كما العادة مع عباده ليعمي بصيرتهم عن اكتشاف هذا الجانب من ولدهم فطالعه أبوه وأمه بنظرات تدل على عدم فهمهم لحديث ولدهم الغامض.
__________________
رجل يبدو على مظهره أنه بالثلاثون من عمره أو ما قارب ذلك، عيناه امتزج فيهما اللونين الأزرق والأخضر القاتم حتى نتج عنهما لون آخر لم تستطع وصفه، أنفه مستقيم بحجم متوسط كما أن شفتاه المبتسمتان هاتان تزينان وجهه الذي بدى وكأنه لا ينقصه شيء.

لطيفها عاشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن