الفصل الأول ج1 :
_ لأ .......... لأ ... .
إنتفض من نومه مذعورا .. وقد تجمعت بعض حبات العرق على جبينه .. و أخذ يلهث كمن كان يركض خوفا .. و قد تعالت أصوات دقات قلبه .. دخلت عليه والدته غرفته .. و أنارتها و هى تتطلع إليه بشفقة على حالته المتكررة من الصراخ الليلى .. ثم جلست بجواره و قالت بأسى. :
_ مالك يا فارس الحلم إياه برضه .
حمل كوب به ماء من جواره و إرتشفه كاملا و أعاده مجددا و ظل صامتا حتى إستطاع السيطرة على دقات قلبه و أنفاسه و قال بغضب :
_ أنا زهقت بجد .. نفس الحلم ليا و أنا صغير .. بس المشكلة إنى بقيت بسمع صوت صرخة واحدة ست كأنها بتستنجد بيا .
زمت زينب شفتيها و قالت بحسرة على حال إبنها :
_ عشرين سنة و إنت على الحال ده من و إنت صغير و لسه مش لاقين حل لموضوع الحلم ده .. نام ياإبنى دلوقتى و الصباح رباح .
ربتت على يده بحنو و وقفت و أطفأت إناره غرفته و خرجت .. تمدد فارس فى فراشه مجددا .. و عادت إليه ذكريات تلك الليلة فى طفولته و التى غيرت حياته تماما .. سحب الغطاء فوق رأسه و هو يفكر فيمن هى صاحبة هذا الصوت ؟!
ولجت زينب لغرفتها بوجه ممتعض فسألها زوجها بقلق :
_ نفس الحلم مش كده .
جلست بجواره على فراشها و قالت بضيق. :
_ أيوة يا معلم .. أنا عارفةالسبب إبنى منظور و طول عمره نجمه خفيف دى كانت عين و رصدااه .
ألقى عليها صبرى نظرة إحتجاج و قال ساخرا :
_ إبقى إعمليله زار و لا عروسة ورق و خرميها .. نامى يا زينب أنا مش فايقلك .
إعتدل صبرى فى نومته .. بينما تطلعت إليه زينب بحنق على لا مبالاته و جلست تفكر كيف لها مساعدة إبنها .. و خاصة من ذلك الحلم الذى يوقظه أغلب الوقت من نومه ليهتف بإسم تلك الصغيرة و التى لم يرها منذ عشرون عاما .**********************************************
ولجت غزل لمنزلها و هى تبكى بحرقة .. صفعت ورائها باب المنزل و الذى زلزل على آثره المنزل .. خرج شاكر من غرفة مكتبه بغضب حتى إختفى غضبه و حل محله نظرات تعجب من حال إبنته المزرى .. فإقترب منها و قال بدهشة :
_ what's wrong .. إيه اللى عمل فيكى كده يا غزل .
إرتمت غزل بحضن والدها الذى لم يتردد و ضمها إليه بقوة .. فخرج صوتها متحشرجا من كثرة بكائها قائلة :
_ شوفت يا دادى اللى حصلى .. واحد متعصب و عنصرى شد حجابى من على راسى و قالى يا إرهابية .. سوقت الطريق كله بشعرى .
أجابها والدها و هو يخلل أنامله بين شعراتها بحنان و قال لها لائما :
_ أنا نصحتك كتير تقلعى الحجاب ده .. إحنامش فى مصر .
ضيقت غزل عينيها و سألته بعدم فهم :
_ قصدك إيه يا دادى .. عاوزنى أمشى بشعرى unbelievable !؟
_ أيوة يا غزل إحنا فى أميريكا و هنا نظرة الناس للمحجبة إنها إرهابية و دى مش أول مرة تتعرضى للموقف ده و لا آخر مرة .
هتفت غزل بإستنكار مدافعة عن مبدأها :
_ أنا صحيح مواطنة أمريكية .. بس برضه مصرية و مسلمة و متمسكة بإسلامى و مبادئه جدا .. و لو سمحت يا دادى عاوزة نرجع مصر soon .
أجابها شاكر بشرود تام :
_ إنسى مصر بقا يا غزل إحنا مش هنرجعها تانى و أنا قولتلك الكلام ده أكتر من مرة .
صاحت به غزل بصوت محتد و منفعل :
_ ليه .. نفسى أفهم ليه .. مصر وحشتنى أنا مش لاقية نفسى هنا .
جائهم صوت من خلفهم قائلا بتعجب قاسى :
_ يادى مصر اللى كل شوية تجيبى سيرتها ....إنتى أصلا لسه فاكرة من مصر إيه.. ده إنتى سيباها من عشرين سنة .
إلتفتت غزل بجسدها و هى تطالعه بإزدراء قائلة بجمود :
_ صدقنى يا علاء I will back to egypt و إنت عارفنى لما بحط حاجة فى دماغى بعملها .
تمالك علاء غضبه .. فهو يعلم أخته جيدا و يعلم لأى مدى يصل عندها .. إستقام فى وقفته و نزع رابطة عنقه و قال بتعقل لتهدئتها :
_ يا زولا يا حبيبتى إنسى مصر بقا خلاص .. و باعدين شعب مصر كله بيتمنى يبقى مكانك هنا فى أميريكا .
حاربت غزل دمعات تعاند للظهور فى مقلتيها و قالت بقوة :
_ لأنهم ما مجربوش الغربة و العنصرية اللى هنا .. لازم تعرفوا إنى بفكر بجد إنى أرجع مصر .
و تركتهم و صعدت لغرفتها .. إرتمت بجسدها على فراشها و هى تفكر بجدية فى العودة .. فى الخلاص من مصير محتوم كمصير والدتها و التى تفتقدها بشدة ......
بحثت عن هاتفها فلم تجده. ترجلت بهدوء للطابق السفلى لمنزلها ليصل لمسامعها حوار والدها و أخيها......
_ يا بابا هى لازم تفهم إنه مافيش رجوع تانى .. حضرتك مدلعها جدا .
قالها علاء بعصبية.. فأجابه شاكر بضيق هامسا :
_ أفهمها إزاى إنى لو رجعت مصر هيتقبض عليا .
أشاح علاء بيده قائلا بجمود :
_ ما هو إنت السبب برضه يا بابا ربنا يسامحك .
تلفت شاكر حوله بخوف ثم قال هامسا :
_ وطى صوتك يا علاء لغزل تسمعك .
أغمض علاء عينيه بملل و قال بحدة :
_ ما تسمع يمكن تريحنا من موضوع رجوعنا ده .. عموما بكرة لما مجد يتجوزها هينسيها الموضوع ده .
جلس شاكر بوهن على أقرب مقعد مضيفا بشك :
_ و تفتكر هى هتوافق يا علاء .
إقتربت منهم غزل و قالت بقوة :
_ لأ مش موافقة يا دادى .. مجد ده لو آخر راجل فى الدنيا مش هتجوزه .. و باعدين إيه موضوع إننا لو رجعنا مصر حضرتك هتتسجن .
إبتلع شاكر ريقه بصعوبة و قال بتوتر :
_ فى حاجات مش لازم تعرفيها أحسنلك يا غزل .
تسائلت غزل بإهتمام :
_ لأ يا دادى أنا لازم أعرف كل حاجة و فورا .
مرر شاكر أنامله فى شعراته و قال و هو يهز كتفيه بتسليم :
_ هقولك .... أنا متهم فى قضية إغتلاس من عشرين سنة .. و علشان كده هربت بيكم من مصر لأمريكا .
تهاوت بجسدها على أقرب مقعد بجوارها بعدما إكتشفت أن والدها لصا .. صدمتها فى والدها أكبر من قدرتها على التحمل .. ألا يكفيها جرمه مع والدتها .. فهمت الآن سبب إنعزال والدتها و عزوفها عنه .. جاهدت عبراتها التى تجمعت فى عيناها و تمالكت أعصابها و سألته بتوجس :
_ وحضرتك إغتلست الفلوس دى بجد .
أجابها علاء بضجر من الإستمرار فى حديث غير مجدى :
_ مش وقته الكلام ده ..إحنا فى أزمة مالية كبيرة و الحل إنك تتجوزى رجل الأعمال مجد مختار و إوعى ترفضى .
علت شفتيها إبتسامة خافتة .. ثم إتسعت إبتسامتها و أصبحت إبتسامة عريضة لتتحول لضحك هستيرى .... إقترب منها شاكر وقال بقلق :
_ calm down .. مالك يا غزل إهدى يا حبيبتى .
توقفت فجأة و إكفهر وجهها و هى تجيبه بسخط :
_ بتسألنى مالك you are kidding .. ولا أى حاجة أخويا عاوز يبيعنى و يقبض التمن و أبويا طلع حرامى .
لم يتمالك علاء نفسه أكثر و صفعها على وجهها بقوة .. فصرخت متألمة:
_ آآآآه .