الفصل السادس

7.1K 189 20
                                    


وقفت غزل مرة أخرى تتابع ذلك القصر بضيق ... ففى كل مرة تراه به تتذكر شيئا ... فها هى تتذكر نفسها و هى صغيرة و ضفيرتها تهفو خلفها مع ركضها حاملة لدميتها و صوت ضحكاتها المرحة يعلو و يعلو و هى تطالع تلك الكف الحانية الصغيرة و هى تجتذبها ...
و فجأة كسى الخوف ملامحها و هى تتذكر دميتها التى تلطخت بدماء كثيرة ... حاولت تذكر دماء من كانت و لكن دون جدوى ......
إلتفت و عبرت الطريق مسرعة حتى وقفت أمام الطريق المؤدى إلى الحارة و هى تسأل نفسها بقلق :
_ يا ترى إيه اللى مستنينى هنا ... يا رب خليك معايا .
تنفست مطولا و إنطلقت سيراً تجذب حقيبتها ... إقترب منها ذلك الصغير مجددا و قال بإبتسامة متسعة :
_ إيه ده رجعتى بسرعة أهه .
إبتسمت غزل و قالت بمداعبة و قد نسيت مع إبتسامته البريئة كل ما مر بها فى هذا اليوم و أجابته بتلقائية باتت تفتقدها مع المحيطين بها :
_ مش قولتلك إنى مش هتأخر ... أنا بقى هعيش فى الحارة دى زيك و هنبقى جيران .
تهللت أساريره بفرحة و قال و هو يقفز من السعادة :
_ هو ده الكلام ..... إنتى هتروحى عند ستى رأفة تانى .
أومأت غزل برأسها و أجابته قائلة بهدوء :
_ أيوة يا .... إنت إسمك إيه ؟!
عدل من ياقة قميصه و قال بغرور مازحا :
_ إسمى أحمد يا مُزة .
صفعته غزل على رأسه و قالت مازحة :
_ مُزة فى عينك .
وضع يده على عينه و سبل الأخرى قائلا بوله :
_ آه يا عينى ... و آه يا قلبى كمان ..... إنتى قمر هو فى حلاوة كده .
ضحكت غزل ضحكة عالية ... فتلفت أحمد حوله بتوجس و قال لها بضيق :
_ وطى ضحكتك دى مش كفاية لبسك الشمال ده .
بعثرت شعراته بأناملها و قالت بلوم :
_ أنا لبسى شمال يا أحمد .
_ بصراحة بقا لو هتعيشى هنا لازم تلبسى طويل شوية و واسع شويتين تلاتة .... ده أنا من ساعة ما مشيت معاكى و عيون الشباب هتخرج من وشهم .... لولايا ربك كان عالم هيتعمل معاكى إيه .
وقفت أمام بيت جدتها و قالت بإبتسامتها الساحرة :
_ حاضر يا سيدى هفكر فى اللى قولته ..... و إنت معايا برضه علشان تحمينى صح .
ذاب مع إبتسامتها و غمز لها بعينه قائلا :
_ ده أنا أحميكى بعنيا ... هو ممكن أبقى أزورك .
_ أكيد .... سلام .
و لوحت له بيدها و دلفت لمدخل البناية حاملة حقيبتها الثقيلة ... حتى وصلت لباب شقة جدتها ... إلتقطت أنفاسها و طرقت الباب ....
فتحت لها ليال التى قابلتها بعبوس قائلة بتذمر :
_ إتأخرتى ليه يا غزل .... قلقنا عليكى .
زفرت غزل بضيق و قالت بإرهاق :
_ هنتكلم على السلم يا ليال ... أنا يومى كان طويل و متعب جدا دخلينى أول .
أتاهم صوت أنثوى غليظ يقول بسخرية :
_ مين السحلية دى يا ليال ....... دى قريبتكم .
إلتفتت غزل خلفها و قالت بضيق و هى تتطلع نحوها :
_ هو يوم باين من أوله .

وقفت كلا من ليال و غزل تطالعا تلك المتطفلة عليهما بضيق ..... فإبتلعت ليال ريقها بتوتر و أجابتها بتلعثم :
_ دى .... دى غزل بنت خالتى حور .
و فجأة ضحك ذلك الكائن الأنثوى ذو الوزن الزائد و الطول الفاره و المرتدى عبائه ضيقة ضحكة رنانة طويلة ... رفعت غزل حاجبيها و هى تتطلع إليها بتعجب من ضحكتها و التى سمعتها من قبل فى فيلم كانت بطلته راقصة ... أرادت و بشدة أن تصفق لها و تقول بإعجاب " عاش النفس " و لكنها إلتفتت ناحية ليال المذعورة و سألتها بريبة :
_ مين دى يا ليال .
أجابتها ليال و هى تحتمى بباب شقتها من خوفها قائلة :
_ دى الآنسة مهجة جارتنا .
ضحكت غزل بسخرية و إلتفتت ناحية مهجة و قالت بقوة :
_ أهلا يا جارتنا ....فى بقا سبب لسؤالك و لا فضول منك و خلاص .
رفعت مهجة حاجبها الرفيع بضيق و هبطت درجتين من الدرج و قالت و هى تحرك عنقها يمينا و يسارا ببراعة كتلك الراقصة بالفيلم :
_ لأ بنتعرف يا عنيا .. قولتيلى بقا إسمك غوزل ... و لا غزالة ... ولا إيه .
إبتسمت غزل ساخرة و قالت بثقة و هى تقترب منها ببطء :
_ إسمى غزل ... غزل يا ااااا .
حاولت تذكر إسمها و التى قالته ليال منذ لحظات .. فقالت بتلقائية بريئة :
_ يا اااا ..... يا بؤجة .
دخلت ليال فى نوبة ضحك عالية حد الدموع .... و قالت بلهاث :
_ بؤجة .... ده إنتى جبارة يا غزل .
لم تفهم غزل مقصدها و لكنها إقتربت أكثر من مهجة و مالت برأسها يمينا و يسارا تطالع ضخامة إمكانياتها و طولها قائلة بمزاح :
_ و إنتى بقا يا آنسة معاكى تصريح بالإرتفاعات الزيادة و البروز الأوفر دى و لا .... شكلى كده هطلعلك طلب إزالة .
زادت ضحكات ليال بصوت عالى و قد إنحنت قليلا و صفعت ركبتيها .... بينما صكت مهجة أسنانها و قالت بغضب :
_ لعبتى فى عداد عمرك يا سحلية إنتى .
و هبطت الدرجات الفاصلة بينها و بين غزل بسرعة ... فواجهتها ليال قائلة بتحذير قوى :
_ هكلم رامى و إنتى عارفاه و مجرباه قبل كده .... لو فكرتى تلمسى غزل أو بس تبصيلها بعنيكى .
وقفت مهجة أمام غزل و حدجتها بغضب و قالت من بين أسنانها :
_ مسيرك هتقعى تحت إيدى يا سحلية إنتى و ساعتها هتندمى ندم عمرك .
و تركتهم و صعدت لشقتها و شحمها ينتفض مع حركتها الغاضبة .... زفرت غزل بإرهاق و قالت بوهن :
_ لأ بجد ده يوم عمرى ما هنساه .... يالا ندخل يا ليال لتحصل حاجة تانية .
ولجا للشقة فإرتمت غزل بجسدها على أقرب أريكة ... أتاهما صوت رأفة قائلة :
_ غزل جت يا ليال .
ردت عليها مسرعة :
_ أيوة يا تيتة ... هترتاح من السلم و تجيلك .
أسندت غزل رأسها على الأريكة و قالت بتعب :
_ محتاجة شاور سخن أريح بيه أعصابى و بعد كده عاوزة أكل خروف جعانة جدا .
إبتسمت ليال برقة و قالت و هى تحدجها بإشفاق :
_ فعلا قومى خدى شاور و أنا محضرالك أكل كتير جدا ... ملوخية ... و فراخ مشوية ... و طاجن لسان عصفور ... و مكرونة بشاميل .
إبتلعت ريقها الذى إنطلق مع وصف ليال و تحسست معدتها قائلة بجوع :
_ أنا بقول أكل الأول و بعد كده أبقى آخد شاور .... حضرى الأكل يا لولو على ما أصلى .

تمرد أسيرة القصر (كاملـــــــــة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن