ألم الفراق ... أقل حدة من ألمك .....سأشتاق إليك .. مؤكدا .. سيتملكنى شعور بالوحدة .. مؤكدا .. سأفتقدك .. مؤكدا ..
و لكننى رغم كل ذلك سأرحل .. سأحطم قيودك و أتخلص من هيمنتك علي و سأنال حريتى أخيرا ..
تبا .. عن أى حرية أتحدث .. فحريتى بضمتك .. و سعادتى بضحكتك .. نعم سأتركك و لكن قلبى سيتركنى و يبقى معك .. حافظ على أمانتى .. حتى يحين وقت إستردادها ...
هائمة أنا بما مررنا به سويا .. شاركتك آلامك قبل فرحتك .. نميت حبك بداخلى و سقيته بإخلاصى .. فعلت كل ما فى وسعى للإبقاء عليك .. و التمسك بك ..
أو بمعنى أدق التمسك بحبى .. و لكنى بحثت مرارا و تكرارا عن أى شئ قدمته أنت لى فوجدتك بخيلا جدا معى .. مجرد نظرات مسروقة و لمسات حارقة و علاقة غير مكتملة ...
و ...
و ضربات مؤلمة و إهانات صارخة و نظرات حارقة .. و تحملتها .. تحملتها كلها و لم أعترض فى سبيل أن أبقى بجوارك و معك .. غفرت لك كل شئ حتى أصبحت أزدرى نفسى .. و أبغضها ..
سأبتعد .. سألملم الباقى من كرامتى المهدورة و كبريائى المندثر تحت مسمى الحب ..
أعلم أنك ستتألم أيضا .. و ستفتقدنى أيضا .. و لكننا إنتهينا و حان وقت الرحيل ...
وقفت ميناس تتطلع لغرفتها التى بقيت بها فترة طويلة .. حتى أصبحت جزء منها .. و تطلعت لفراشها و هى تتذكر ليلتها الأخيرة به .. و قربه منها و عشقه الذى تحول لألم يخنقها فقررت أن تقتل نفسها بيدها و إختارت الفراق ..
جذبت حقيبتها ورائها و خرجت بملامح مقهورة .. إقتربت منها ليال و قالت بعفوية :
- مينو فى طلبات كتير محتاجينها وإ نتى اللى بتعرفى تمشى كل حاجة هنا .. أنا لسه مش متعودة و ...... .
قطعت ليال كلماتها و هى تتطلع بحقيبتها التى تجذبها ورائها و مملامحها التى لا تبشر بخير .. فسألتها بقلق :
- إيه الشنطة دى .
إبتسمت ميناس بوهن و قالت ببساطة :
- هرجع بيت تيتة رأفة يا ليال .. ماليش مكان فى القصر ده خلاص .
قطبت ليال حاجبيها بعدم إستيعاب و إبتلعت ريقها بقلق و قالت بهدوء :
- أنا مش فاهمة حاجة .
إحتضنتها ميناس و قالت مازحة بنبرة حزينة :
- مش مكتوب لنا نتجمع .. إنتى جيتى القصر و أنا هسيبه و همشى .
إبتعدت عنها و طالعتها مطولا قبل أن تقول بإختناق :
- خلى بالك من غزل ﻷنها بتمثل إنها فرحانة .
و زفرت بقوة و هزت رأسها بهون و هى تقول :
- أنا أكتر واحدة عارفة الشعور ده .
تجمعت العبرات بعينى ليال و قالت مستفهمة ببلاهة :
- يعنى هتمشى ليه .. إتخانقتوا و لا ضربك تانى و لا إيه الحكاية بالظبط .
نظرت لها ميناس و على شفتيها إبتسامة شجن و قالت بحزن :
- مش مهم همشى ليه بس ليا طلب عندك يا ليال .. خلى بالك من حمزة .. هو عصبى شوية بس طيب و الله .
أطبق حمزة عينيه و هو يستمع لحديثها مع ليال و وصيتها برعايته .. هاهى زهرته البيضاء تبتعد عنه .. لأول مرة منذ وطأت قدمها القصر .. تتركه ..
كان متأكدا أنها لن تقوى على فراقه كعادتها .. و ستأتى إليه راجية سماحُه و طالبة غفرانه و لكن حقيبتها الكبيرة تخبره أنها أخذت كل شئ معها .. إذا .. فهى تنوى الرحيل حقا .. و إلى الأبد .
قبض بكفيه على ذراعى كرسيه و هو يلعن كل شئ .. يلعن غباؤه الذى ساقه لعجزه و جلسته البغيضة تلك .. يلعن غروره و ثقته بأنها لن تشفى من حبه يوما .. لعنها أيضا .. ألم تخبره عندما كانوا سويا بفراشه أنها تحبه .. و مستعدة لفعل أى شئ .. فى سبيل أن تبقى معه ...
كاذبة ...
لأنها لو كانت تحبه كما تشدقت بها كثيرا من بين قبلاته .. لما إستطاعت تركه بتلك السرعة ...
إنهمرت دموع ليال و قبضت على ذراعها و قالت برجاء :
- طب إستنى هكلم رامى و هو هيحل المشكلة دى علشان ما تبعديش عنى .
أومأت ميناس برأسها و قالت بهدوء متعقل :
- مافيش مشكلة أصلا علشان أى حد يحلها .. إحنا إتفقنا إننا مش هنقدر نكمل مع بعض .
دارت ليال حول نفسها و هى تحرر حجابها قليلا من على عنقها لشعورها ببعض الإختناق و إنقباض بمعدتها سيجعلها تتقئ مجددا و قالت بنبرة مرتجفة :
- هتقولى ما فيش حاجة .. طب .. طب هتسبيه ليه إنتى مش وصتينى عليه من شوية .. و عاندتى الكل و إتجوزتيه ليه دلوقتى .
و قبضت على ذراعيها و هزتها بعنف و هى تصرخ بقوة :
- ليه دلوقتى يا ميناس ؟!
تنهدت ميناس مطولا و قالت بهدوء :
- سبينى براحتى يا ليال .
_ أسيبك براحتك إزاى .. هتبعدى عنى إزى .
عادت ميناس لشقة جدتها .. تجذب حقيبتها و وجدت دنيا بإنتظارها .. صافحتها بصمت .. و دلفت لغرفتها مباشرة .. و تركتها دنيا على راحتها دون أى أسئلة .. فملامحها الحزينة تكفى .. و تفيض .
إستندت ميناس على باب غرفتها و إنزلقت عليه و خرت جالسة و هى تترك لدموعها العنان .. لن تسامح نفسها .. و لن ترحمها أيضا .. ستجلدها دون رحمة ...
كيف إستاطعت تركه بمفرده حتى و لو رغب هو بذلك .. من سيهتم به .. من سيعطيه دوائه بميعاده .. من سيجهز له ملابسه .. من سيطمأن عليه أثناء غفوته .. من سيحتمل تقلباته ...
ربما لن يأكل جيدا حزنا عليها .. و ربما أيضا لن يأخذ دوائه .. فهى تعلمه جيدا و تعلم مدى عنده و تيبس رأسه ...
لم تشعر بنفسها و هى تنحنى بجسدها و لامست كفيها الأرضية و إستقرت جبهتها على البساط و دموعها تتساقط كزخات المطر المنهمرة و ناجت ربها قائلة بنحيب :
- يا رب .. يا رب .. أنا مش عارفة اللى عملته ده صح و لا غلط .. بس تعبت .. و إنت اللى عالم بحالى و عالم باللى إستحملته .. ساعدنى ماليش غيرك .
وصل صوت نحيبها لدنيا الواقفة بجوار باب غرفتها تهز رأسها بحزن و قالت بضيق :
- اللى يشوف البنات دول و يشوف جمالهم .. يحسدهم على اللى هما فيه .. بس ما يعرفش هما عايشين أزاى .. و الله غلابة .