أيام الحب ......
لعمرى لو أمكن أن نحيا أيام الحب ... تلك الأيام التى تقاس بنسبتها إلى الحبيب لا إلى الزمن .. فما تزال تتجدد أيام الحب فى سر كلا منا ... و أصبح عهدها بالحب أياما فى لذتها و دفئها كأنها ليست من أيام هذه الدنيا ... و تعطى كل يوم بعالمنا و لا تأخذه و لا تتلقاه ... أصبح صمتى كأنه حكم من أحكام الشوق النافذة لقلبى الذى حكم عليه بأن يظل مشتاقا أبدا .. و مع ذلك يريد و يريد و يشتهى المزيد .. أيا قلبى المسكين قد حكمت على نفسك بالأمانى الشاقة المؤبدة .. ليظل صمتى دائما تائه بين معانى التنهيدات ... لا أعلم هل أرسل إليك كلماتى أم خفقات قلبى ... و قد أجد سرورى فى أن أعجزك بكلماتى المبهمة .. و لكنك داهية .. لا تعجز و لا يزال فى لسانك جواب ما أقوله و لم أقله ... كما يمنعك الحبيب ما تشتهيه منه .. لأنه منحك الخيال و لذته و سحره .. كالمرايا التى لا تتلقى سوى لتعكس ... أتعلم .. أصبح شرودى أشد قسوة من موقف عقلى الذى أقف أمامه مغالبة نفسى على حقيقتها فأبغضها و هى عاشقة .. و أتمارى و هى مقتنعة ... و أجحد و هى تُقر ... فى أسمَى معانى المستحيل .. ليبقى قلبى وحده مكان المستحيل ... إذا كنت على ثقة من هذه المشاعر فأنا الآن راضية عن هذه الإبتسامة الطويلة التى أثق أنك تبتسم بها الآن .. و إن كنت لا أراها .. و لكنى أتلقاها ...........
مرت أيام كثيرة و تغير كل شئ .. وقف فارس أمام إحدى القبور و هو يتلو آيات الله بخشوع حتى إنتهى .. و روى النباتات التى تحيط القبر و هو يدعوا الله بالرحمة لكل من سبقونا .. إنتهى و ترك المياة من يده و إلتفت بجواه و قال بحنو :
- مش يالا بينا بقا .
مسحت دموعها و قالت بألم :
- كنت محتاجة أزورهم النهاردة .. علشان النهاردة عيد الأم .. وحشونى قوى .
حمل كفها و قبله و قال بحزم و هو يكفف دموعها :
- عنيكى بقوا كاسات دم .. كفاية بقا يا أميرتى .
إبتسمت غزل براحة و قالت برجاء :
- ممكن تسبنى معاهم لوحدى يا حبيبى .
فكر فارس قليلا و قال بإستسلام :
- حاضر .. بس متطوليش إنتى لسه تعبانة .
أومأت برأسها و قالت بإنصياع هادئ :
- تمام .
تركها و إبتعد قليلا و عينيه عليها تأبى تركها كما لم يتركها هو منذ عادت له مرة أخرى .. وضعت غزل باقة الورد على المقبرة و قالت براحة :
- أنا خلاص مهمتى إنتهت .. يا رب يا تيتة أكون حافظت على الأمانة اللى إنتى وصتينى عليها .. البنات دلوقتى بيعتمدوا على نفسهم و إتخلوا عن ضعفهم .. حتى دنيا زادت ثقتها فى نفسها و هتتجوز قريب .
ثم قالت بدموعها ثانية :
- ماما حبيبتى .. أنا فخورة بيكى جدا .. إنتى رفضتى تغضبى ربنا و إخترتى الشهادة .. بدعيلك بالرحمة دايما و عملتلك إنتى و تيتة و خالتو نغم صدقة جارية و دى بقا هدية عيد الأم ليكم .
سيطرت على دموعها و قالت بصوت مرتجف :
- ماما يا روح قلبى أنا جبتلك حقك من الحيوان اللى غدر بيكى و قتلك يا رب تكونى مرتاحة دلوقتى .
كففت دموعها و سحبت نفسا طويلا تهدئ به إنفعالاتها و عادت بعينيها للمقبرة و قالت بإبتسامة خافتة :
- أما أنا أحب أطمنكم بقيت كويسة جدا و فرحانة مع جوزى جدا .. فاكرة يا ماما لما كنتى بتقوليلى هننزل مصر و هتتجوزى فارس .. كنت قاصدة فارس جوزى و لا كنتى بتتمنيلى زوج بأخلاق فارس .. عموما أنا إتجوزت فارس حبيبى و نور عنيا .
و رفعت عيناها و تطلعت ناحيته فمنحها إبتسامة هادئة زادت من إبتسامتها و إشراق وجهها و عادت بعينيها إليهم و قالت بهدوء :
- أنا همشى دلوقتى و هبقى أجيلكم تانى .. سلام مؤقت .
ثم إلتفتت صوب فارس و منحته إبتسامتها الساحرة و إقتربت منه و هى تقول بشجن :
- شكرا يا حبيبى .. يالا نمشى .
إحتضن كفها بين كفه و قال بهدوء مازح و هما يسيران سويا :
- ما أعتقدش إنى هلاقى مكان هادى و رومانسى زى هنا علشان أقولك إنه لآخر يوم فى عمرى هفضل أحبك .
ضحكت غزل ضحكة عالية و قالت بسخرية و هى تحتضن كفه بين راحتيها :
- بغض النظر عن المكان اللى إنت شايفه رومانسى ده بس أنا كمان حابة أقولك إنك حبيب عمرى الوحيد .
إبتسم براحة و هو يطالعها بحنو و سألها بتلهف :
- بجد يا عمرى .
أومأت غزل برأسها و قالت بصدق العالم كله :
- عمرى ما حبيت قبلك و لا هحب بعدك .. لو رجع بيا الزمن مليون مرة عمرى ما هحب غيرك .
قرب كفها من شفتيه و لثمه برقة و هو يغوص بمحيطى عيناها و قال بنعومة :
- و أنا فتحت عنيا على حبك .. زرعتك جوايا و عشت بس علشانك و ليكى .. كبرتك جوايا و كبرت معاكى .. و إن شاء الله هعجز جنبك يا حب عمرى كله
تابعا سيرهما بصمت حتى خرجا من المقابر .. إلتفتت غزل ناحيته و قالت بإمتنان و حب :
- من ساعة الحادثة و إنت مش بتسبنى خالص .. مازهقتش منى .
وقف أمامها و طالعها مطولا قبل أن يقول بضيق :
- لأ سبتك .. لما كانوا بيحققوا معايا .. كنت هكسر الحجز علشان أرجعلك .. و لولا شهادة الشهود ما كنتش هخرجلك بالسرعة دى .
إبتسمت بخفوت و هى تقول بهدوء :
- يا حبيبى أكيد كنت هتخرج .. ده دفاع عن النفس خصوصا إنه .. إنه ضربنى بالمسدس بتاعه و كان هيموتنى .
أطبق فارس عينيه و ذكرى ذلك اليوم تلوح أمامهما و سحب نفسا طويلا و فتح عينيه قائلا بحزن :
- كنت هموت عليكى .. و كانت أكتر حاجة مخوفانى ما تستحمليش و تسبينى و أنا مش جنبك أو تفوقى و أنا مش جنبك .
إقتربت منه خطوة و قالت بتنهيدة طويلة :
- بس أحلى حاجة لما فتحت عنيا و شوفتك إنت و مهاب .. نسيت وجعى و ألمى كله .
إبتسمت شفتيه بهدوء و قال مسرعا :
- بعد الشر عنك من الوجع يا أميرتى .. خلاص عاوزين ننسى اللى فات و نبدأ من جديد .
أومأت برأسها و قالت ببحة صوتها المغرية :
- عندك حق .. يالا بينا .