الفصل العاشر: في قربي.. حياة.

4.9K 546 127
                                    


في كل لحظةٍ، في كل موقفٍ تمر به، لا بد من لحظة صمتٍ..

دقيقة، أو ربما بضع ثوانٍ فقط، لتعيدَ ترتيبَ الأحداثِ..

لتسألَ نفسكَ بهدوءٍ..
هل كل ما يحدثُ –بهذا التعاقبِ المذهلِ-  مصادفّةٌ؟

...تنهد بهدوءٍ وهو يحدقُ بعلبة المناديل الصغيرةِ بينَ أصابعهِ التي كانت ترتعشُ بشكلٍ واضحٍ..

ما الذي كان سيحدثُ لو..
لو لم يكن هذا اليوم...؟  لو لم يكن مفتاح المنزلِ معها؟
لو لم تكن ذاهبةً إلى هناكَ اليومَ..؟

وتلكَ المرأةُ الطيبةُ..
يبدو أن دعوتها البسيطة قد اخترقت عنان السماءِ في لحظةِ إجابةٍ.

-هل تريدُ ماءً؟  أخيرًا خرجَ من شروده على صوتها الهادئ، رفع رأسه نحوها،مازالت هنا..

لم تذهبْ.

رفع يده يلتقط كأسَ الماء منها،  أصابعه المرتعشةُ واضحةٌ حتى بالنسبة لها.

-حسناً أنا سأساعدكَ..  بابتسامةٍ خافتةٍ وضعت يدها فوقَ خاصته،:باردةٌ كالجليدِ.. ما به؟

-لا داعي.  أزاح يدها بلطفٍ ثم أخذ يرتشفُ قليلًا من الماءِ.

كالعادةِ، لا يحبُ أن يقتحمَ أحدٌ سكون حياته، جلست على الكرسى المجاور له بصمتٍ.

حسنًا لن تفعلَ شيئًا.. لتجلسْ فقط بجواره هكذا.

وقتٌ لا بأسَ به من الصمتِ مضى حتى قطعه هو بقوله الهادئ:  أعتذرُ..

-لماذا؟ هل لأننى تركتُ المحاضراتِ؟ ليسَ أمرًا يستحقُ الاعتذارَ صدقني إنما.

إلا أنه قاطعها بنفسِ النبرةِ: أستطيعُ التفريقَ جيدًا بين ما يستحقُ الشكر، وما يستحقُ الاعتذارَ.

"أعتذرُ لأنني أمسكتُ يدكِ... في الجامعةِ، لم أتعمدْ فعلَ هذا"

مابه حقًا؟ في حالته هذه، في هذه اللحظة؟ ما هذا الذي يفكرُ به؟
لو لم يُذَكِرها الآنَ لما كانتْ ستنتبه من الأصلِ.

-لا عليكَ، لم يحدث شيءٌ..  تنهدت قليلًا وهي تتابع النظر إليه لتتابعَ بعدها: هل أنتَ بخيرٍ؟ هل أطلبُ لكَ طبيبًا..؟

-لا داعي، هذا من التوترِ فقط.  أجابها باختصارٍ، هل عليه أن يطلبَ منها أن تغادرَ الآنَ؟

هكذا سيبقى وحيدًا..

وما الجديدُ؟ أليسَ هو يحبُ الوحدةَ في الأصلِ؟

هل سيتغيرُ رأيه بعد أن ذاقَ طعمَ وجودٍ أحدٍ إلى جواره؟

-إذا كان لديكِ شيءٌ لتفعليه يمكنكِ المغادرةُ..  نطقَ بهذه الجملة بينما وضع الكوب على الكرسى الثالثِ..

ياللسخافة! لم يعد يستطيعُ قولَ اذهبي بصراحةٍ..

ربما لأنه.. في أعماقه يريدها أن تبقى.

حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن