الفصل التاسع: لا شيء يحدثُ.. مصادفةً.

5K 534 83
                                    


 
 على ما يبدو هذا هو الصباح الممزوج بلون الرماد. والذي ذكرته في رسالتها من قبل، من الجيدِ أنه يفضلُ مثل هذا الطقس..

الرمادي يوحي بالحيرة والاضطرابِ، إلا أنه يمنحه سلامًا نفسيًا وراحةً كبيرةً، رفع رأسه يتأملُ السماء الملبدة بالغيومِ.. التي تحجبُ جزءً لا بأسَ به من أشعةِ الشمسِ.

ترى ما الذي سيحدثُ لو غيَّر وجهته؟ لو ذهبَ إلى الساحلِ بدلًا من الجامعة؟

ولا أي شيءٍ، ولكنها.. "حياة".

قد تحضره غدًا - في يوم عطلته..- إلى الجامعة إذا تجاهلها اليوم..

ابتسم بسخريةٍ من حاله، ما سيفعله خلال اليومِ..
حتى هذا صارت تتحكم به..

ترى أى نوعٍ من العقابِ هذا؟

تابع سيره البطيء في الطريق، ها هي معالم المدينة بدأت تظهر واضحةً، متمثلةً في ذلك الازدحام، هذا بالطبع مقارنةً بالحي الراقي الذي يقطنُ به..

أخذ يلتفت حوله باحثًا عن سيارة أجرةٍ، عليه أن يذهب سريعًا قبل أن تفسدَ الضوضاء مزاجه الهادىء بعض الشىء هذا الصباح.. –وإن كان هدوءً يحمل في طياته نذيرًا غريبًا و.. مخيفًا-

ها هو السائقُ يقتربُ، لمحَ بطرفِ عينه في تلكَ اللحظة.. امرأةً مسنةً تفترش أحد أركان الطريقِ، على مقربةٍ منه، تبيع علبَ المناديلِ و  "وردًا بلديًا"

هو في العادة ليسَ ممن يتأثرون بمثلِ هذه المشاهد، خاصةً مع كونها تتكرر بكثرةٍ في شوارع أم الدنيا،
إلا أنه، ولسببٍ ما.. وجد نفسه يتحركُ مقتربًا منها..
ربما يستمعُ إلى صوتِ قلبه، من يدري!
نزع سماعات أذنيه وقال لها بابتسامةٍ بسيطةٍ: هل تعطينني علبة مناديلٍ يا خالة..؟
انحنى أرضًا ليصبح في مستواها، ثم أخذ إحدى العلبِ تاركًا مكانها ورقةً نقديةً -تُعَد كبيرةً نسبيًا مقارنةً بالسعر الفعلي لعلبة المناديل-
-...انتظر يا بنيَّ  الباقي
التفت إليها مجددًا وأجاب باسمًا: لا بأسَ، يمكنكِ أن تحتفظي بها.
-طيب على الأقلِ خذْ من هذا الورد.. 

يا إلهي، هذا المشهدُ المتكرر في الأفلام والروايات، سيناريو مبتذلٌ تمامًا تعطى فيه المرأة وردةً للبطلة، وهي تجتهد في وصف كم يليقان ببعضهما..

المرأة البسيطة ووردتها يكونان شرارة هذه القصة المستهلكة، الحلقة الثالثة.. الفصل الرابع على أقصى تقدير..

-حتى لو أخذتها، مع الأسفِ لا يوجد من أعطيه إياها.

هذا لحسنِ الحظ طبعاً، حتى تخيل مثل هذا المشهدِ البائسِ يشعره بالغثيان.

تنهد بهدوءٍ ثم عاد يقترب منها، ساحبًا وردةً من سلتها وقربها منها يقول:  إذن لتكن لكِ.. هديةً مني.
مدت يدها تلتقطها بابتسامةٍ حانيةٍ بينما قالت: نَوَّرَ الله طريقكَ يا بنيَّ وأخرجكَ من جميعِ مصاعبِ الحياة

حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن