الفصل التاسع عشر: زياد و.. حياة.

6K 552 180
                                    

"لست معتادًا على أن يفهمني أحدٌ، لست معتادًا على هذا لدرجة أنني اعتقدتُ في الدقائق الأولى من لقائنا أن الأمر أشبه بمزحةٍ ثم.. هنالك أشياء يصعب الحديث عنها، لكنكِ تستطيعينَ التخلص من كل طبقات الغبار فوقها بكلمةٍ واحدةٍ.

أنتِ لطيفة.."

من رسائل فلاديمير نابوكوف إلى حبيبته فيرا.

تنهد طويلًا وهو يفتح عينيه الرماديتين، مبتسمًا بنوعٍ من الراحةِ، يعلم يقينًا أنَّ ما يحدث هنا الآن خطأٌ، خطأٌ كان يرغب في ارتكابه منذ وقتٍ طويلٍ..

حرك ذراعيه ليفصل هذا العناق الطويل مبعدًا إياها عنه، لتبدأ هي بإزالة آثار الدموع وبقايا الكحل الممتزجين سويًا، تابع مراقبتها بصمتٍ، ترى ماذا بإمكانه أن يقول الآنَ؟

-هل أبدو مخيفةً أم ماذا؟ قطعت حبل أفكاره بينما اتسعت عيناها بشكلٍ طفوليٍّ.

-لماذا تسألينَ؟ سألها بعدمِ فهمٍ، خطا خطوةً للوراءِ ليسمح لها بحريةِ الحركةِ، لتجيبه هي بترددٍ بدا مضحكًا له: أعرف حالة وجهي عندما تسيل مساحيق التجميل، خاصةً الكحل.

-لستِ كذلكَ.  أجاب بهدوءٍ بينما بدأ جسده يترنح قليلًا، ما الذي يحدثُ معه؟ كان متماسكًا منذ الصباحِ بشكلٍ رائعٍ، ما هذا الذي يحدث له فور رؤيتها؟

-زياد!  قبضت على معصمه الأيمن بقوةٍ ثم أحاطته بذراعها الآخر، وخلال بضع ثوانٍ كانا يجلسانِ متجاورينِ على كراسي الانتظار، تابعت مراقبة قسمات وجهه الشاحب قبل أن تسأل بقلقٍ: بماذا تشعر؟

-لا أدري.  أجاب مع تنهيدةٍ ضعيفةٍ.
-هل نقيس سكر دمكَ؟ لا شكَ أنكَ لم تتناول شيئًا كالعادةِ.
-كان عليَّ القيامُ ببعض الفحوصاتِ لهذا لم آكل.

قطبت حاجبيها بعدم فهمٍ، ليتابع هو موضحًا: فحصٌ دوريٌّ أقوم به كل فترةٍ، فقط الطبيب قلقٌ هذه المرةَ من النتائج لذا من المحتملِ أن أبدأ علاجًا بالأدويةِ.

راحته هذه، أو لنقل تلك البساطةُ التي يشرح بها الموضوع كما لو كان غير مهتمٍ بالمرةِ، كما لو كانَ يخصُ أحدًا غيره، بهت وجهها لعدةِ ثوانٍ استفاقت منها على حركته المتوقعة،
إزاحة كفها الملتصق بذراعه.

-أنتَ جادٌ أليسَ كذلك؟ إذن لماذا لا أرى جهاد هنا؟ أينَ والدتكَ؟ لم تقل لهما أليس كذلكَ؟
تابعت بيأسٍ: وأنا كالبلهاءِ كنتُ سألومكَ على عدمِ إخباري.

لم تجد ردًا، ربما ليس من الجيد لومه وهو في مثل هذه الحالة، أخذت نفسًا عميقًا وراحت تنظر إلى الفراغِ بصمتٍ.

-هل تشعرينَ بالبردِ؟ قطع الصمت بحديثه الخافت.
حتى في وضعه هذا يفكر بها..
هزت رأسها بالنفي موضحةً: معطفي في السيارة لا تشغل بالك.

-ليخرجْ أبي من الداخل أولاً ثم سأوصلكِ إلي بيتكِ.

-لماذا لا تريديني بجانبكَ؟ نطقت بهذا السؤال تلقائيًا وهي تحيد ببصرها بعيدًا عنه، تشعر بدموعها التي بدأت تتساقط من جديدٍ.

حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن