الفصل الثاني عشر: شاي الصباح، حياة..

5.2K 594 96
                                    


"...كم كنتَ بريئًا صافيًا لا تعرفُ السوءَ، ذا ابتسامةٍ ساحرةٍ وجوهرٍ جميلٍ، كم كنتَ ساذجًا نقيًا، لم ترَ سوادَ الحياةِ وقسوتها...
  عيناكَ هاتانِ لم تعرفا الدموعَ إلا لفرحٍ، وقلبكَ هذا لم ينبض بقوةٍ إلا لسعادةٍ.
لم يسكنه إلا الأملُ..
لقد كنتَ طفلًا، كنتَ حقًا طفلًا حتى تجرعتَ الألم، كنتَ صغيراً حتى رأيتَ الرحيلَ.
وما خفي.. لا يعلمُ بشأنه سوى خالقه"

...حركَ كفه الأيمنَ ليلتقطَ كوبَ الشاي خاصته ويرتشفَ المزيدَ منه، من كانَ يتخيلُ أنها تحملُ في داخلها بذرة نبتةٍ بائسةٍ -مثلهُ-؟
انتقل ببصره إلى الصفحة المجاورةِ يتابع تصفحه العشوائي لدفترها الصغيرِ..

ترى هل ستغضبُ إن علمت أنه اطلعَ على محتواه؟  غالبًا
تجيدُ صياغة الجملِ بشكلٍ صحيحٍ لغويًا ولكن أدبيًا.. تبدو غريبةً بعضَ الشيءِ، الفكرةُ لا تصلُ إلى القارىء بسلاسةٍ..

-ماذا تفعلُ يا صغير؟  كانَ هذا الصوتُ هو ما شتت أفكاره، رفع رأسه قليلًا نحو صاحبةِ الصوتِ، والتي وضعت كوبًا من الشاي على الطاولةِ وجلست على الكرسى المجاورِ له..
ليقولَ بدهشةٍ في هذه اللحظة: جهاد.. متى جئتِ؟ وصنعتِ الشاي أيضًا!
-أنا هنا منذ بعضِ الوقتِ؛ ولكنكَ كنتَ تبدو مشغولًا لذا لم أشأ إزعاجكَ..  تابعت بابتسامةٍ: أينَ ذهبَ عقلكَ؟

-ألا تلاحظينَ أنني أقرأُ؟

-لستُ مغفلةً بالطبعِ؛ أنا أسألُ ماذا تقرأ بالضبطِ؟
تنهد قليلًا قبل أن يسألها: لا أفهم لماذا أنتنَ –الفتياتِ- تشغلنَ أنفسكنَ بأشياءَ لا تستحقُ السؤالَ أو التفكيرَ حتى؟ 

من الواضحِ أنه في هذه اللحظة.. قد استحضرَ في رأسه موقفه مع حياة، في المكتبةِ.
-أشعرُ أنني فوتتُ شيئًا.. أخبرني يا صغير من هي تلكَ التي تستجوبكَ أيضًا؟

-هل ستتوقفينَ عن قولِ صغيرِ؟

-هل غضبتَ؟ ولكنها الحقيقة... مهما أنكرتَ فأنتَ ستبقى صغيرًا دائمًا بالنسبةِ لي..

-تعلمينَ أن إغضابي ليسَ بمثلِ هذه السهولةِ..  ابتسمَ بخفوتٍ أثناءَ متابعته قراءةَ الخاطرةِ التاليةِ..

"...وقد بدأ كلُ شيءٍ بابتسامةٍ صغيرةٍ، كانتْ كالعاصفةِ على قلبي، فتحت أبوابه ونوافذه المغلقةَ دونَ استئذانٍ، وسارت به توزعُ رياحها الباردة، وتمحو ما بقي من آثار الشتاءِ..

ابتسامةٌ أيقظت روحي الذابلةَ، وأعادتها للحياةِ..
رغم برودتها منحتني الدفء، كأنها حملت في طياتها خيوطَ الشمسِ.
حقًا هو شعورٌ غريبٌ كما يقولونَ عنه، قارصُ ودافئٌ، غائمٌ ومشرقٌ..
ماطرٌ وصحوٌ...
كأنما يعانقُ جميعَ فصولِ السنةِ..
مشاعرُ متخبطةٌ، وطقسٌ متقلبٌ يتنازعانِ داخلَ قلبي. فأراني أستسلمُ دونَ تفكيرٍ أمامَ.. -هذا الحبِ-
راجيًا أن أنالَ ابتسامةً أخرى، علًّها تجمعُ تلكَ الفصولَ المتنازعةَ سويًا.

حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن