أليسَ الصدى يترددُ في الخلاءِ فقط؟ إذن لماذا شعرَ برنينٍ تَبعَ جملته الأخيرةَ.. –أنتِ فقط-؟عليهِ أن يخرجَ من هنا بأقصى سرعةٍ، نوباتُ الانفعالِ التي صارت تراوده هذه الأيام بكثرةٍ ليست جيدةً أبدًا، راحَ ينثرُ الماءَ الباردَ على وجهه بعشوائيةٍ قبلَ أن يلقي نظرةً على حاله فى المرآةِ..
يا إلهى! يبدو أن سكرَ دمهِ قد انخفضَ كالمعتادِ، بما أنه صار شاحبًا إلى هذا الحدِ..
بدأ ينتعلُ حذاءه ومعطفه الثقيلَ، حركاتهُ أبطأ من المعتادِ، سرعانَ ما لامسَ صوتها الناعمُ أذنيه –ممتزجًا ببعضِ الدموعِ-: إلى أينَ؟
-سأستنشقُ بعضَ الهواءِ النقي، هل من اعتراضٍ؟
-إنما كنتُ أسألُ فقط.. أجابت بخفوتٍ، أما هو فسحبَ مفتاحَ السيارةِ ثم انطلقَ نحو الخارجِ، إنه حقًا لأمرٌ مثيرٌ للدهشةِ، صارَ يستخدمها ببساطةٍ، والآنَ..
تحدثَ معهما بكلِ تلقائيةٍ، يبدو أنه حقًا.. –كما قالت له- تغيرَ كثيرًا، معها..ها هو هواءُ الساحلِ الباردِ يلامسُ وجهه، مع صوتِ الأمواجِ القوية، استندَ بجسده على حافةِ السيارة وراحَ يراقبُ تلكَ الأجواءَ الداكنةَ، بعينينِ شاردتينِ حدَ الضياعِ..
ذلكَ الصوتُ الذي تعزفه الأمواجُ المتلاطمة.. أشبه بمقطوعات بيتهوفن، سمةٌ خاصةٌ لشاطئ الإسكندريةِ
للحظةٍ أغمضَ عينيه وأخذ يتنفسُ ببطءٍ، ليخرجه من شروده صوتُ رنينِ الهاتفِ..لقد نسي أن يجعله على وضعِ –صامت- وبالتالي عليهِ أن يحتملَ الإزعاجَ منها..
ربما هي ليست إزعاجًا الآنَ، يشعرُ برغبةٍ في الحديثِ معها، ابتسمَ وهو يضغطُ على زرِ الردِ..
-ماذا تريدينَ؟
-ألن تفاجئنى مرةً وتجيبنى كالبشرِ الطبيعيينِ؟
ابتسمَ بخفوتٍ ثم أجابها: على فكرة، إذا حدثَ يومًا وسألتكِ عن حالكِ في أولِ المكالمةِ عليكِ أن تقلقي؛ لأنني عندها لن أكونَ بخيرٍ..-أعلمُ هذا، لا بأسَ يمكنكَ أن تبقى هكذا سأحتملكَ، نهضت من الكرسي وأخذت تتحركُ في الغرفةِ بشكلٍ عشوائي قبل أن تقولَ: زياد هل أنتَ حقًا بخيرٍ؟
-لماذا تسألينَ؟
-لا أدري، خطرتَ على بالى فجأةً منذ قليلٍ.
-لو قلتُ لكِ أنني لستُ بخيرٍ ماذا ستفعلينَ؟
أجابته تلقائيًا: سأسألكَ أينَ أنتَ وآتي إليكَ في الحالِ.
-فى هذا الوقتِ المتأخرِ؟
-أجل في هذا الوقتِ المتأخرِ..
كانَ يستطيعُ الشعورَ بتلكَ الدموعِ الدافئةِ تتحركُ على وجنتيهِ بينما سألها بصوتٍ خافتٍ: ولماذا؟
-لم أفهم..
أنت تقرأ
حياة
Romanceأتذكرون تلكَ اللعبةَ التي اعتاد الكبار تسليتنا بها في صغرنا؟ عدةُ أحرف متداخلةٍ يشكلُ اختلاف ترتيبها كلماتٍ عديدةٍ.. مملةٌ كانت للبعضِ، أما ل "حياة".. فقد كانت بدايةً لشغفٍ بالكلماتِ لن يتلاشى أبدًا.. "لا تعطني وردةً، أعطنيِ حبرًا وورقًا.. لأطلقَ ل...