الفصل الثامن عشر: يا مسافر.. وحدك.

5.4K 575 158
                                    

أطلقت زفرةً طويلةً أثناءَ سيرها بجواره، تحملُ في طياتها شعورًا غريبًا أشبهَ ب خيبةِ الأملِ.

ولماذا في الأصلِ؟ أهي كانت تنتظرُ منه شيئًا؟ أليست من قالَ لفرح بنفسها أنه  " ليسَ بالشخصِ الذي يمكن فهمه بسهولةٍ، فما بالُ حبه؟"

حب! ما هذا؟

المريبُ هنا أن إحباطها المبالغ به سببه الوحيد رده البسيط والمختصرُ على عبارتها الأخيرة، أنها لم تقع في حب أمير أبدًا.

-أعلمُ هذا..-  فقط، وبنبرته الباردة الواثقة، بابتسامته المستفزة التي تزيده وسامةً هذا المزعج.

كان هو يتابع سيره البطيء إلى جوارها، يبتسم ببساطةٍ لم يفهم سببها، أثناء مراقبتهِ لحالِ السماءِ التي تنثر زخاتٍ متفرقةً من المطر فوق رأسيهما.

يبدو أن خريفَ هذا العامِ سيكونُ وافر المطرِ.

أخيرًا قطعَ هذا الصمتَ الطويلَ بينهما بقولهِ: هل ستستطيعينَ القيادة حتى المنزلِ أم أوصلكِ أنا؟

يا إلهى كيفَ يستطيعُ الحفاظ على بروده إلى هذه الدرجةِ؟.. تنهدت بهدوءٍ قبلَ أن تجيبه: لا تشغلْ بالكَ بأمري.
-صدقيني ليس بيدى.. ابتسم بلا اهتمامٍ وهو ينظرُ حوله متفقدًا حالةَ الطريقِ، لن تستطيعَ الوصولَ بشكلٍ آمنٍ، وبفرضِ أنها وصلت، سيبقى عقله معها.

ألا يكفيها..  قلبه؟

-هاتي المفتاحَ يا حياة.  تحدث ثانية بنبرةٍ لطيفةٍ، فيما كان يبتسم لها.

ما باله صارَ يعبث باتزانها؟ وجدت نفسها تمد يدها لها بالمفتاحِ دونَ أن تشعرَ، بأناملها المرتعشةِ.
ما هذا حقًا؟

من الواضح أن هدوءه -أو لنقل بروده العامَ- قد انعكس على طريقته في القيادة، فهو ليس من ذلكَ النوع من الشبابِ الذين يعشقون إفراغ طاقتهم في عجلةِ القيادة..
نمطُ الحياة البسيطِ يناسبه أكثرَ...

أوقف السيارةَ بانتظامٍ أمامَ المنزلِ ثم ترجلا منها سويًا، سلمها المفتاحَ وهو يقولُ: أراكِ فيما بعد.

-انتظر حتى يهدأ الجو قليلًا، قد تمرضُ هكذا.

-أنا أحبُ السيرَ تحتَ المطرِ، أحتاج إلى تشتيتِ ذهني بعض الشيء.

قاطعَ هذا الحوار البسيط صوت البابِ، والذي ظهر من خلفه السيد عادل و.. الصغير رائد.. مبتسمًا بطفوليةٍ لدى رؤيته لزياد.

-ماذا تفعلانِ عندكما؟ هيا تعاليا بسرعةٍ، بدأ عادل يتحدث وهو يقتربُ منهما بخطواتٍ بطيئةٍ.

كيفَ حالكَ يا بنى؟ تعال اشرب شيئًا..

-بخيرٍ يا عمي، ربما فى وقتٍ آخر..
-طيب انتظر قليلًا حتى يهدأ المطرُ، لا أستطيعُ ترككَ تذهبُ هكذا..

حانت منه التفاتةٌ بسيطةٌ نحو ابنته ليقولَ بعدها: ماذا تنتظرين هيا خذي شقيقكِ وادخلي.

حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن