الفصل العشرون: قريبٌ من البحر، بعيدٌ عن الدنيا

5.9K 555 214
                                    

" قال جريجور لنفسه وهو يلتفتُ في الظلام من حوله: ماذا بعد؟  وسرعان ما اكتشف أنه لم يكن قادرًا أن يحركَ أي طرفٍ من أطرافه، لكنه كان قد أحس رغم ذلك بالراحة التامة، أحسَ بأن الألم قد بدأ يتناقص تدريجيًا وبدا له أنه سيزول في نهاية الأمر.. راح يفكرُ في أسرته في رقةٍ وحبٍ.

ولقد ظل في وحدته تلكَ، وحيرته الصامتة، حتى رنت ساعة البرج معلنةً الثالثة صباحًا، أول شعاعٍ من الضوء يصله من العالم الخارجي، ثم تهاوت رأسه تلقائيًا فسقطت على الأرضِ، ومن منخاريه خفقت آخر أنفاسه اللاهثة"

من كتاب المسخ لفرانز كافكا..

..صوت اصطدام قطرات المطر بزجاجِ النافذة هو ما أقلق راحته، ونومه الهادئ،  بالإضافة إلى تلكَ الأصابع الصغيرة التي تتحركُ عشوائيًا على وجهه، بدأ يحرك جفونه ببطءٍ كاشفًا عن عينيه الرماديتينِ ليرى أعين تلكَ الصغيرةِ تحدقان به..

أخيرًا تحدثَ بخفوتٍ بينما يحاول رفعها من فوقه: يارا.. ماذا تفعلينَ فوقَ رأسي؟

تجيبه بضحكاتها المتواصلةِ، يبدو أنها تنتظر استيقاظه منذ وقتٍ طويلٍ، بصعوبةٍ تمكن من الاعتدالِ فيما يحيطها بذراعيه، ليلاحظ قطعة القماشِ البيضاءِ التي سقطت عن جبينه..

عاد ببصره نحو الصغيرةِ يحادثها بحيرةٍ: لا أذكر الكثير من ليلةِ الأمس للأسفِ، ليتكِ كنتِ تستطيعين الكلام لأسألكِ؛لأن والدتكِ لن تتحدثَ معي الآنَ..

هل تركوكِ تهتمينَ بخالكِ يا يارا؟  تابع مبتسمًا وهو يداعب خدها، هو ليس متأكدًا مما حدثَ..

كان على وشكِ إنهاءِ الكتابِ، يبدو أنه غفا أثناء القراءةِ، وبالنظر إلى هذه الأشياء المبعثرةِ حوله -وعاءٌ يحوي ماءً باردًا، قماشةٌ بيضاء ومقياس حرارة، بالإضافةِ إلى أنواعٍ من الأدويةِ-

يمكنه اسنتاج أن حالته ساءت بعضَ الشيء، ربما بسبب المطرِ.. منذ كانوا في المشفى

صحيح كم الساعة الآنَ؟

مد يسراه ملتقطًا الهاتف ثم ضغط على زرِ فتح القفل..
الخامسة! يا إلهي كيف نام كل هذا الوقت؟ هل كان مرهقًا إلى هذه الدرجة؟

-ولم تتصلْ حقًا.. همسَ بصوتٍ شبه مسموعٍ بينما ابتسامةٌ بسيطةٌ زينت وجهه، هل أقولُ لكِ شيئًا يا يارا؟

اشتقتُ إليها.. حقًا، ولا أدري كيفَ سأتصرفُ.. أخبريني كيف سأنظر إلى عينيها الفاتنتينِ كل يومٍ دون أن أقول لها كم هي جميلةٌ؟

لستُ مقتنعًا بمصداقية كلمة أحبكِ، مع هذا أرغبُ في قولها لها مرارًا وتكرارًا..

أنا صرتُ مبتذلًا للغايةِ أليسَ كذلكَ؟

على كلٍ.. بدأ بإزاحةِ الغطاء عنه ثم تابعَ: هيا تعالي نبحث عن والدتكِ ونصالحها.

لم يستغرق وقتًا في تجواله حول المنزلِ ليدركَ أن لا أحد موجود..

حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن