الفصل الثلاثون (الجزء الأول)

703 18 1
                                    

فتحت "توليب" عيناها ببطئٍ ناعس ، فركت عيناها لتفيق قليلاً .. نظرت بجانبها على أمل أن تراه ولكن ذهب أملها إدراج الرياح عندما وجدت الطرف الأخر من الفراش فارغ .. أرتجفت أطرافها عندما حتى لم تسمع صوت إهدار الماء على حوض الأستحمام أي أعتقادها أنه بالمرحاض خاطئ ، تحملت برودة الجو لتنهض مرتدية قميصه الأبيض الذي يصل لأعلى ركبتيها بقليل .. طرقت باب المرحاض بكفٍ مرتجف و هي تقول بصوت مهزوز :

- رعد ..؟

أعادت الكرة ليطفح الكيل بها و هي تنطلق دافعة بالباب ، لتجد المِرحاض فارغ تماماً ، ولجت للغرفة مجدداً و هي تقول نافية برأسها بجنون :
- لاء أكيد مسابنيش وسافر ، مستحيل ..

و لتقطع الشك باليقين أمتدت أناملها بإرتعاش ملحوظ لتفتح ضلفته ، شهقت بقوة لترتد للخلف و هي تجدها فارغة أيضاً سوى من ورقة تركها لها موضوعة على إحدى الرفوف ، ألتقطتها و هي تقرأها بصوتٍ به بحة بكاء :
- أنا أسف يا توليب ، أنا حاولت أسامحك صدقيني بس مقدرتش غصب عني ، بس رغم دة كله أمبارح كان يوم عمري مـ هنساه ، راجع مش هتأخر يا حبيبتي .. و عشان خاطري متعيطيش .

ثم أنهى الرسالة بنقطة لعينة ليس لها سطرٍ جديد ، نقطة كانت قاسية على قلبها أنهتها هي ، أهتاج صدرها بقوةو كأنها تصارع لتعود للحياة ، نظرت لقميصه الذي ترتديه و عبق رائحته التي ألتصقت بجسدها ، مزقت الورقة بعنف لتلقي بواقيها على الأرض ، لن تبكي .. بكت الكثير من قبل و لم يتغير شئ ، هي لن تلوم الأن سوى نفسها ، لن تلوم سوى قلبها و سوى ضعفها كعادتها ليلة البارحة ..

• • • •

واثب أمام الطائرة التي بإشارة منه ستقلع ، يقدم قدمٍ و يؤخر الأخرى ، بالتأكيد أفاقت الأن ، و بالتأكيد رأت الرسالة ، و بالطبع جمِد وجهها ، هو مراراً و تكراراً يخذلها ، حتى بات يشمئز من نفسه ، و لكن القرار الأن محسوم ، ٱما أن يصعد درجات تلك الطائرة و يدهس على فؤاده و هكذا سيكون خسرها للأبد .. إما أن ينطلق بسيارته على سرعة المائتان و يذهب إليها باكياً على صدرها و آسفاً على كل شئ فعله من قبل و ليبدأوا صفحةٍ بيضاء خالية من السواد و الظلمات ، و لأول مرة يكن بتلك الحيرة ، "رعد البناوي" الذي لا يهاب شئ يقف الأن متحيراً من أمره ، أخرح هاتفه من جيب بنطاله المنمق ، دلف إلى الصور ليرة الصور التي ألتقطها لها ، أنزوت شفتيه بإبتسامة عاشقٍ ولهان ، اغلق الهاتف ليضعه بجيبه مجدداً و مقلتيه برقت بشعاعٍ حاسم ، أشار بإصبعه بعنجهية للحارس الواقف خلفه ليقترب الحارس ملبياً أمره ، هتف "رعد" بغموض :
- ألغي السفرية ..

• • • •

دس المفتاح بـ باب القصر ليدلف و هو يغلقه خلفه ، خطى لأعلى مركزاً بصره على غرفتهما ، للحظة تمنى لو أنها لم تفيق و لم ترى الرسالة ، تمنى أن تصحو و تجده بجانبها ، و لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، وضع كفه على مقبض الباب ليلفه ، أنفتح الباب ببطئ ، وجدها واثبة كالجبل مركزة بأبصارها على الفراغ أمامها ، شاردة و كأنها بعالمٍ آخر ، حتى أنها لم تلاحظ وجودة ، كانت بغاية الجمال بقميصه الأبيض الذي جسّم جسدها الممشوق بحرفية ، و خصلاتها المنسدلة خلفها ببراعة فـ بدت كاللوحة التي لن تزيح بأنظارك عنها ، تباً كيف كان سيتركها ؟

أنتِ أدماني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن