ضحايا يحاكمون ضحايا

2.2K 128 20
                                    

أول شيء تتذكره ناهد من حياتها..هو يوم عيد الفطر..كانت ربما بعمر الثلاثة سنوات..و كان أحدا خريفيا..مازال فيه بعض من دفىء الصيف..إستيقظت مبكرا من فرط حماسها..و قد وصلها على خلاف أطفال الحي هدايا كثيرة لدرجة أنها قضت ما يقارب الساعة تفتح أغلفتهم..ثياب و ألعاب و بوالين..و دراجة صغيرة حمراء بثلاث عجلات.

حصلت والدتها على القدر ذاته من الهدايا..كل ذلك من الرجال أصدقاء والدتها..أو هكذا كانت تعتقد ناهد..أنهم فقط أصدقاء!..إنهم أثرياء..و مرحون..يمازحونها دائما..يدخلون للبيت بأكياس الطعام و الحلوى و يبيت في كل مرة واحد منهم عندهما في البيت..

عندما يبيت أحدهم..كانت ناهد تجبر على النوم مبكرا و لكنها لم تكن تمانع..فهي تتلقى هدية في الغد الموالي إذا فعلت ذلك.

العيد مميز عند ناهد..فوالدتها تسمح لها فيه بالخروج و اللعب مع أطفال الحي على غير المعتاد..و لكن الأطفال لا يسمحون بذلك..في الماضي كانو يتجاهلون أوامر آبائهم بالإبتعاد عن ناهد..لأنها تخرج ألعابها الجديدة الفاخرة..ألعاب ما كانو ليحصلو عليها ولو في الأحلام..و لن يفوتو فرصة التسلية بها..و التملق لناهد من أجل الحصول عليها.

لكنهم تدريجيا كانو يكبرون..و باتو يفهمون لماذا عليهم الإبتعاد عنها..فوالدتها شيطانة في ثوب آدمية..و ما ينجب الشيطان إلا شيطانا مثله..يعتقد الآباء أن ناهد ستفسد أطفالهم..رغم أنهم لم يقتربو منها يوما ليعرفو عن ما تتحدث و كيف تفكر.

لقد كانت مولعة بالتلوين..لديها ما لا يحصى من دفاتر التلوين..ترسم بالأقلام الخشبية و أقلام اللباد و الألوان المائية..تعيد تلوين وجوه الدمى..و تصبغ الألعاب التي تمل منها..و تتلقى التأنيب على تلوين الجدران و أثاث البيت..لقد كانت مجرد طفلة!

و رغم ذلك تفرق من حولها الأطفال..في الحي و في ساحة المدرسة و في أي مكان إلتقتهم فيه..لقد كان ذلك قاسيا..أشعرها بالرعب و ألقى في رأسها الصغير الأفكار..لماذا لا يحبني أحد؟..و لماذا يعود الجميع لبيوتهم يمسكون أيدي آبائهم..و أعود بمفردي في أغلب الأحيان! أين أبي؟ و لماذا يكره الجميع والدتي؟

لا أجد مبررا لذلك..أمي إمرأة طيبة..تقوم مبكرا لتجهز فطوري..تسرح شعري..و تلبسني ثيابي..و تعطيني مبلغا من المال حتى أشتري الكعك و العصير..علمتني الإعتماد على نفسي..كتبت رقم هاتفها على إسوارة في معصمي في حال ما ضعت أو إحتجت الإتصال..و كانت تسمح لي بالإحتفاظ بمفتاح البيت..حتى أنها دفعت لعدة شبان يقطنون في شارعنا كي يحموني من أي مكروه قد أتعرض له..كانت تتصل في الوقت الذي أعود فيه للمنزل..تطمئن أنني وصلت بسلام.

صحيح أنها لم تكن ترتدي كبقية نسوة الحي..تخرج أكثر منهن من البيت و تعود في أحايين كثيرة في وقت متأخر..و لكنها لم تكن بنفس الضعف الذي وجدتهم فيه..أم أمجد زميلي بالمدرسة تلقت صفعة من زوجها أمام الجميع لأنها خرجت للسوق بدون إذن زوجها..لكنه الرجل ذاته الذي رأيته عند باب بيتنا عشرات المرات..يكاد يقبل قدمي أمي ليستدين مالا يصرف به على بيته آخر الشهر..و توافق والدتي في كل مرة لأجل أطفاله..رغم أنه لم يوفي الدين و لو لمرة.

سم الإبرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن