خبر لم يكن بالحسبان!

1.8K 117 11
                                    

أومضت السيجارة بين شفتي ميادة..و غطى ضبابها وجهها الحسن الجاد..قابلتها ناهد بملامح وجه ساكنة سكونا تاما..فقط تحرك الملعقة بقعر الفنجان..بحركة دائرية لاإرادية أبت أن تنتهي.

"بردت قهوتك يا إبنتي"

"و أنت مازلت لا تقولين شيئا"

"أحاول ترتيب أفكاري"

"أو تجدين كيف تتملصين!" تقول ذلك و ترفع الفنجان لترتشف منه.

"إسمعيني جيدا..إنني أدرك أنك كلما كبرت تجلت هذه الحقيقة البشعة أمامك..حقيقة أن الآخرين يبغضوننا و يحتقروننا و أن لا أحباب و لا أصدقاء لنا..فقط أعداء و أصحاب مصلحة و لا شيء آخر..لكن يجب أن تدركي أيضا أنني تعاملت مع هاته المشاعر قبلك و نتيجة لذلك أنت هنا جالسة أمامي"

"و كيف يكون ذلك؟"

"لقد عشت تلك الحياة التي لا تشبه الحياة في شيء..طفولة مذلة جعلتني أكبر ناقمة و غاضبة على كل شيء..تركت دراستي مبكرا و بدأت بهذا العمل..لكنني بقيت لوحدي..وحيدة دائما يا ناهد..و عندما حملتك في أحشائي..كنت الشخص الوحيد الذي يرافقني أينما ذهبت..الشخص الوحيد الذي أهمه..بحاجة إلي و سيبقى بجانبي..لقد أخبرتك بقصة مولدك سابقا..لقد كان يوما باردا و الجو عاصفا..كنت أعيش في بيت بالكاد تتوفر فيه شروط الحياة..عجوز عطوفة من الجيران..ساعدتني في ولادتك..كان ذلك عسيرا و لكن ليس بقدر الحياة التي عشتها قبل وجودك..عندما وضعتك على صدري..شعرت لأول مرة أن لي حليف..و"

تقاطعها ناهد "و كم أن ذلك أناني..بدل المعاناة بمفردك تنجبين من يعاني معك أيضا!"

"أعلم..لكنني بذلك السن لم أكن بنفس ذكائك و فطنتك..كنت مجرد مراهقة ساذجة..و البطن الخاوي لا يسمح لي بالتفكير في هكذا أمور..كل ما أعرفه أنك غيرتي حياتي"

"و ماذا الآن؟ ماذا ستغير هاته القصة! سؤالي واضح..إبنة من أنا؟"

تنفث ميادة آخر نفس من سيجارتها في الهواء..ثم تطفؤها..و تجول ببصرها جيدا حول المكان كأنها تبحث عن شيء أضاعته..لتقول بعدها "أنت ما الذي يجعلك تسألين الآن؟ إن كان هناك من أسمعك حديثا أثار غضبك أو أحزنك في هذا الحي القذر فوجهيني إليه..سأتصرف"

"هل هي غريبة لتلك الدرجة؟ أليس من البديهي أن أسأل من يكون والدي؟"

"لكنك سألتني ذلك سابقا..و بعدها لم تعودي تسألي..أنا لم أسمع هذا السؤال منذ فترة طويلة جدا لماذا طرأ على بالك فجأة؟"

"لقد طرأ على بالي و إنتهى..أخبريني بالحقيقة الآن"

"لا..لا بد و أن هناك من ضايقك! لماذا طلبتي مني أن أشتري شقة لك إذا! هل شتمك أحد! أهانك؟ مد يده عليك؟"

"أليس من البديهي أن يرشقني الناس بكلام كالرصاص؟ إنني إبنة العاهرة..طبيعي ذلك..تعودنا و الآن لا تتهربي..أجيبي على السؤال"

سم الإبرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن