حتى الحوت بإمكانه الغرق

1.1K 82 14
                                    

إنكمشت تلك المرأة المسكينة و هي تتلقى الإهانة..عندما صرخ بوجهها بدت و كأنها تتمنى لو كان لديها قوقعة على ظهرها تعود للإختباء فيها..أغمضت عينيها بقوة و هي تهرب من نظرة عينيه الثاقبتين..لقد كانت إمرأة في بداية السبعينات..قصيرة القامة نحيلة البدن..و كان هناك حزن غريب يطفح على ملامح وجهها قليل التجاعيد..عندما أحنت رأسها و هي تتلقى الإهانة..بدى و كأن ظهرها آخذ في التقوس و الإنحناء..و على يديها أثار ضربات سكاكين و حريق كشخص حديث العهد بالطبخ..لكنها طبعا لم تكن كذلك و يسهل الإستنتاج من طعم الحساء الذي أعدته..على الأرجح أن بصرها يضعف و قد أصبحت تصيب نفسها.

"ليس لها علم بأي شيء..أقسم لك أنه ليس لها ذنب في شيء..أنا التي اتيت و وقعت مغما علي أمام باب البيت"

قالت ميادة ذلك بصوت عالي و هي تشق صراخه المزعج الأشبه بقرع طبول حرب..لذا صمت و إلتفت إليها..كان مستغربا كيف لها أن تتكلم في وجوده و تقاطعه بينما يصرخ بغضب دون خوف..لكن في الواقع قد كانت خائفة جدا تكاد ركبتيها أن لا تحملانها..و عندما إقترب منها في صمت و الشر يقدح من عينيه المرعبتين..أغمضت عينيها كمن يتوقع صفعة قوية على خده.

لكنه قال بهدوء"لست ضيفة إذا؟"

ردت بصوت مرتجف "لا"

"و ما قصتك؟"

"أقسم أنها سألتني الآن عن قصتي قبل قدومك بالكاد أخبرتها بأي شيء عني إنها لا تعرف شيئا"

أخذ نفسا عميقا و زفر بقوة..صمت لفترة ثم تمعن ميادة و هو يحلل الأمور بداخل رأسه..لينزع عنه قبعته و يجلس على الأرض..ثم يمسك يد ميادة المرتجفة ليجذبها لأسفل طالبا منها الجلوس..إبتسم إبتسامة مجنونة..و مد يده إلى جيب سترته ليخرج سكين جيب ذي نصل قصير و ثم قال "إحكي لي قصتك كاملة و في كل مرة شعرت أنك تكذبين سأرسم علامة على وجهك الجميل هذا"

"كيف ستميز إن كنت أكذب؟"

ضحك عاليا و قال "أنا الحوت الأزرق أيتها الطفلة الطائشة..إختصاصي هو سحب الكلام من أفواه رجال عصابات و مجرمين خبيرين تحت طائلة التعذيب..تعتقدين أنني لن أميز إن كانت فتاة ساذجة مثلك تكذب!"

"حسنا..أقسم لك أنني سأخبرك الحقيقة الكاملة كما هي"

"سالمة..جهزي لنا بعض القهوة هناك حديث شيق سنجريه"

"ح..حا..حاضر"

عندما بدأت ميادة بالحديث..لم تفكر في الكذب عليه بالمطلق..شعرت كأن الكلام الذي تفكر فيه مكتوب على جبينها بالفعل و سيتمكن من قرائته بمجرد النظر إليها..لذا أخبرته بكل شيء..طفولتها المزرية و بيتهم القديم الفقير من أبسط مقومات الحياة و إخوتها و والدها الغير مبالي و أمها المريضة.. و أخبرته الجيران ايضا..و ثم قصة حبها و الأمل الذي جاء مع ذلك الحب و كيف أنه إنتهى بحمل و خيبة أمل كبيرة..لقد كان مستمعا جيدا و مميزا جيدا للحقيقة و الكذب بالفعل..لأنه لم يشك في أي حرف تقوله ظل يرتشف من قهوته في صمت حتى أنهت حديثها.

سم الإبرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن