من الطبيعي أن تحمل الأم غلا و كرها بقلبها على شخص إعتدى على إبنتها الوحيدة..لكن ميادة لم تكن أي أم..كانت أما قادرة على مواجهة اللعب القذر بلعب أقذر منه..و مع ذلك إستغرب الجميع ذاك السكوت و الهدوء التام الذي تلى الحادثة..صمت مخيف جدا منها..لا تحدثت عن الموضوع مجددا..ولا عاتبت أحمد عن فعلته ولا رفعت قضية ولا إتخذت أي خطوة..كان ذلك تصرفا لا يشبهها في شيء..ركزت بكل ما تملكه من وقت و طاقة على شفاء إبنتها التام من هاته التجربة القبيحة.
لم يكن أحد يعلم بأن الإنتقام يطبخ على نار هادئة..فهكذا هو الوشق..يجب أن يحسب ألف حساب للمهمة التي سيقوم بها..حتى لا يكون موضع شك بالمطلق..خاصة إن لم تكن المهمة تخص العصابة مما يعني ضرورة أخذ مسؤوليتها على عاتقه وحده.
جمع المعلومات عن أحمد و لاحظ تصرفاته..و بتصرفاته أقصد تلك الإعتيادية المتكررة..متى يفتح الدكان!..كم مرة يغادره..أكثر وقت يزوره فيه الزبائن و في أي ساعة يغلقه و هل هناك شخص آخر بخلافه يهتم بالدكان..لقد حفظ جميع الزوايا فيه و عدد صناديق الفاكهة و الأغراض الأخرى الموضوعة بشكل متفرق في المكان..لكن ما لفت إنتباهه هناك..هو اسطوانة الغاز المعدنية صغيرة الحجم..تبدو قديمة و قد أكل منها الصدأ حتى شبع..و الأهم أنها تبدو خطرة..على الأغلب كان يستعين بها لإبقاء المحل دافئا شتاء..و هنا خطرت في بال الوشق فكرة.
و إستأنف عمله الإحترافي..مستغلا عينه الثاقبة و موهبته في التحريف و التزييف..ليأتي بأسطوانة أخرى مماثلة..نفس اللون و الصفات و حتى الصدأ..عبث بها كما يجب و إستبدلها بالقديمة..مستعينا في ذلك بشاب من الشبان الذين إعتادو التعامل مع أحمد بجلب صناديق فواكه جديدة للدكان..و خلال التسليع و نقل الصناديق إلى الداخل..تم إستبدال الأسطوانة القديمة بأخرى جديدة..في الوقت و الزمن المناسبين..فكل شيء كان محسوبا بدقة بالغة و إستمر العمل دون أن يشك أي أحد في أي شيء.
و عندما حل المساء..و تحديدا عند غروب الشمس..بدأ أصحاب المحلات و الدكاكين و الناس يعودون إلى بيوتهم..و كما جرت العادة خرج أحمد من دكانه كآخر واحد..أتم إغلاق المحل..و ما إن إبتعد عنه خطوات قليلة حتى إنفجر..إنفجارا مدويا ألقى الرعب و الخوف في قلوب الجيران..بما فيهم ميادة..التي كانت تتناول العشاء مع ناهد و نور.
تقفز ناهد في مكانها هلعا..ليقع كوب الماء من يدها و ينكسر قطعا صغيرة"ماذا حصل!..ما كان هذا يا أمي..إنفجار؟"
"ألطف بنا يا رب..لا أدري عزيزتي..سأخرج لأتفقد الوضع إبقيا هنا إتفقنا؟"
فعلا لم تكن ميادة تعلم شيئا..فالوشق لم يخبرها بخطته حينها و لم يتواصل معها بعد حديثهما في المقهى بالمطلق..كل ما طلبه منها هو الصبر و الإنتظار..و ذلك ما سينقذها و يبعدها عن دائرة الشكوك..لقد تفاجأت كما فعل البقية و لم تضطر لتزييف ردة فعلها..بالفعل لم تكن تعلم أن إنفجارا مروعا كهذا سيحصل.
أنت تقرأ
سم الإبرة
Short Storyحكم عليها الناس بأنها شيطانة. و فرضت عليها الظروف أن تكون عاهرة. لكن هل ستتصرف وفق ذلك!!