السادسة و عشرة دقائق مساء..كانت الورشة شبه خالية و بدء العمال يعودون إلى بيوتهم..سيارة فارهة جديدة إقتحمت الحي..لتركن مباشرة عند باب الورشة..و تخرج منها إمرأة مهيبة المظهر..حسنة الهندام..بنفس عمر ميادة على الأغلب..و لكن عاشت في ظروف مختلفة تماما عنها..بدى في وجهها هادىء التعابير..مسحة من الغرور و كثير من الذكاء..نزعت عنها نظارتها الشمسية و اخذت نظرة فاحصة على كل شيء..الحي و المكان و الورشة..ثم رفعت حاجبها و يبدو أنها لم تكن جد راضية عما تراه..و بعينيها الحادتين الثاقبتين لمحت مراد قادما..بإبتسامة عريضة على وجهه فعرفت أنه الشخص المنشود عندما صاح محييا "السيدة أروى عندنا! يا أهلا وسهلا..تفضلي بالدخول"
تجاهلت يده الممتدة لمصافحتها و بدأت تسير في الأرجاء مطلعة على كل شيء..رتبت شعرها الأسود القصير الذي تدلت خصلة منه لتحجب عنها الرؤية..ثم قالت بنبرة جادة "أصغر مما كنت اتوقع..هناك الطابق الارضي و الطابق الأول صحيح؟"
"صحيح سيدتي"
سارت بخفة في المكان فقد كانت إمرأة رشيقة جدا..ليست بالممتلئة و ليست بالنحيلة أيضا..و بدت أكثر من مراد طولا..و لابد أنها ستبقى كذلك حتى لو نزعت عنها الكعب العالي..إنها بنفس طول زوجها على الأغلب..سارت تتفقد القاعات و تطمئن على كون العمل يتطور كما يجب أن يفعل..لم تترك مكانا واحدا لم تفحصه..بصمت تام و تركيز عالي..لم تكن مشوشة حتى بعد الكلام الذي سمعته من مراد على الهاتف..و أنهت جولتها بالعودة مجددا للطابق الأرضي قرب المدخل..و بالتحديد عند المكتب الخشبي..ألقت ببصرها إلى الدرج النصف مفتوح فرأت زجاجة الخمر..إبتسمت بإستخفاف و قالت وهي تجلس "ربما فهمت الموضوع الذي طلبتني من أجله..هو يشرب في العمل مجددا؟ حسنا لا يمكن أن ألومك كيف لرب عمل أن يشرب في ورشته"
"الحقيقة..لا..لا ياسيدة أروى"
كلمة "لا" أثارت إهتمامها جدا..فإعتدلت في جلستها و سألت بإستغراب "لا؟ و ماذا إذا؟"
"لا أدري كيف اقول ذلك..و لكن أعتقد أنه من حقك أن تعرفي"
"ليس لدي وقت لأضيعه يا سيد..هلا دخلنا في الموضوع؟"
تردد مراد في بادىء الأمر و هو يحاول سرد القصة من البداية..ثم ما إن وجدها تصغي بهدوء دون مقاطعة..لم يتمالك نفسه و راح يطنب و يسهب في الحديث..و فتح عيناه على مصراعيهما..و بدء يستخدم حركات بيديه للتعبير عن المواقف أثناء سرده القصة..و كلما إضطر لقول شيء قد يكون خادشا للحياء..إستخدم لفظ "لا مؤاخذة يا سيدة"..فلم تقاطعه و لم تسأله أي سؤال أو ترد عليه..فقط كانت تستمع ولا بد أنها شخص يجيد الإستماع..لم تفهم جيدا غايته من إطلاعها على سر خطير كهذا..لكنه دون شك لم يقصد بكلامه إسقاط عدنان..بل كان يستهدف ميادة مباشرة و كأنه يرغب من شخص أعظم شأنا و أكثر تمكنا من أن يتخلص منها..فقد كان يجد الاعذار لعدنان و يقول اشياء عندما يصفه "كالمسكين..و البريء و كان شابا ساذجا" كأنه يحاول التبرير له..لكنه وصف ميادة بأشنع ما يعرف من أوصاف..
أنت تقرأ
سم الإبرة
Historia Cortaحكم عليها الناس بأنها شيطانة. و فرضت عليها الظروف أن تكون عاهرة. لكن هل ستتصرف وفق ذلك!!