بين المطرقة و السندان

1.7K 102 15
                                    

صعدت الدرج متثاقلة..كالثقل الذي أصبحت تحمله في صدرها..جلست على الآريكة..و دفنت وجهها الشاحب المرتعب في كفيها..أسرعت إليها ناهد..قلقة محتارة..تمسح بيدها على رأسها و كتفيها.

"ما بالك يا أمي..أتبكين!"

"لا..أشعر بدوخة..و بتعب..كأن جسدي بارد و منهك"

"إنخفضت نسبة السكر في دمك..دعيني أجلب لك كوب ماء و سكر" تقوم ناهد مسرعة للمطبخ المفتوح على غرفة المعيشة تسكب الماء بحذر و ثم تضع السكر و تحركه بينما تنظر لوالدتها..

تقدمه لها بعدها و هي تقول "رأيتك تروضين وحوشا في هذا الزقاق..و الآن يأتي هذا السباك العجوز فيطيح بك هكذا!؟"

"ربما قد تحملت أكثر من طاقتي اليوم..كله مشاكل و شجارات"

"إن كنت تقصدين الحوار الذي دار بيننا!..فلا بأس إن أجلناه حتى تكوني مستعدة..إنتظرت طيلة حياتي لن يضرني إنتظار بضعة أيام أخرى"

"حقا؟"

"أجل لا تقلقي بشأن ذلك..إشربي هذا الماء و إرتاحي في غرفتك"

"حسنا عزيزتي..سأتحسن بعد فترة قصيرة..لا تقلقي..ليس بالأمر الجلل"

"أعلم ذلك..أعلم..يا ويله منك عندما تصحين غدا بكامل قوتك و نشاطك"

تبتسم و ترد "و لما سأنتظر حتى الغد؟"

و بالفعل ذلك ما حصل..ما إن وصلت الثامنة مساء..حتى دق أحدهم الباب دقا خفيفا..نزلت ميادة مسرعة..و كان "عاصم" شقيق عثمان الأصغر بالباب..إنه يكبر ناهد بسنة واحدة..طويل القامة نحيفها..خفيف الحركة..نشيط و سريع البديهة..لا يخفاه شيء يحدث في ذلك الحي..يدقق في التفاصيل و يوصلها لميادة تفصيلا تفصيلا..إنه عينيها و أذنيها في ذلك الحي..كان أجيرا وفيا كوالده و أخيه..تعود أخذ أجرته من سن مبكرة جدا..و لم يتجه لبيع المخدرات كما يفعل شقيقه الأكبر رغم تركه المبكر للمدرسة..بدل ذلك كان ما يتقاضاه من ميادة و من العمل في المقهى رفقة والده..يكفيه ليكون راضيا..فلم تكن لديه القوة الجسدية الكافية لخوض الشجارات و تبادل اللكمات و الركل لذا إبتعد عن عمل العصابات الذي تورط فيه شقيقه على قدر المستطاع.

همس بشيء في أذن ميادة..فردت هي الأخرى بهمسات في أذنه..فتبسم و أخذ من يدها مبلغ من المال و هو يقول "سأنفذ فورا..سأنزل لوسط المدينة..هناك أجد محلات مفتوحة..سيلبون طلبك" و إختتم كلامه قائلا "ستربطين يديه و قدميه و تعقدين لسانه بهذا التهديد"

و ما إن أصبح الصباح..و إنسحب الليل مفسحا المجال للنور و بدأت الناس تنصرف لأعمالها..و بدأت الحياة تضخ تدريجيا في الحي..فتح مراد السباك باب بيته حتى يستأنف عمله المضني في الورشة..لكنه تعثر في كيس أسود متوسط الحجم.

فحمله مستغربا..و كان في الكيس علبة مغلفة بورق التغليف المخصص للهدايا و ظرف صغير..فتح الغلاف فوجد علبة..فتح العلبة ليرى ما فيها و كان مركزا أشد التركيز..فوجد ثياب نوم و قبعات صغيرة لطفلة حديثة الولادة..فرمى العلبة على الأرض..ثم إبتلع ريقه هلعا و مد يده إلى الكيس مجددا مخرجا الظرف الذي فيها.

سم الإبرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن