~الفصل السابع~

115 4 0
                                    


إنه المنبه مجدداً ، يوقظني لأعيش يومًا آخر بكل ما تحمله ثناياه من مفاجآت ...

فتحت عيناي بتثاقل أنظر من حولي لأستوعب أنني في غرفتي فقمت من السرير أسير بخطوات متثاقلة اتخذتْ من الحمام وجهة لها ، فبعد كل شيء يبقى النوم هو المخدر الوحيد الذي لا أتخلص من مفعوله إلا بعد أخذ حمام بارد أجدد به نشاطي ...

بعد عشرة دقائق أخذت وجهة أخرى وهي الخزانة ذات اللون الأبيض أختار من محتوياتها ما أرتديه اليوم ...
فاخترت فستانا ضيق التصميم يبرز منحنيات جسمي ذو رقبة مرتفعة و أكمام طويلة نُسِجَ ثوبه من الصوف الرمادي الناعم الذي يصل إلى منتصف ساقاي مع حذاء أسود ذو كعب عالي ..
أما بالنسبة لشعري فرفعت نصفه العلوي في حين أبقيت على النصف الآخر منسدلاً و اكتفيت كما كل الأيام بكحل و أحمر شفاه قاتم اللون ...

أخذت خطواتي إلى المطبخ أطهو فطوري و أعد للتوأم ما يأكلانه بعد استيقاظهما فبدون جامعتهما يستغرقان في النوم حتى وقت متأخر ..

أخذت معطفي وحقيبتي بعد ترك ورقة لاصقة على الثلاجة أخبرهما بما يجب عليهما فعله ..
وبمجرد خروجي من المنزل تفاجأت بالطقس الذي تتخلله غيوم بيضاء كثيفة تدل على يوم بارد و ثلج قادم في الطريق ..

أدخلت يداي إلى جيوب المعطف أبحث عن الدفئ داخلهما ثم أخذت أتمشى في الطرقات الخالية من السكان إلا قلة من يسيرون في اتجاهات مختلفة ...

وأكاد أن أقر بأن من أقرب الهوايات إلى قلبي هو السير على طرقات خالية مع نسيم يلفح وجهي و يشعرني بالاسترخاء وخاصة إذا كان الزمن في الصباح الباكر أو في الليل المتأخر فحينها أشعر أنني أجد نفسي الضائعة وسط الهدوء ..

دخلت إلى الشركة ألقي التحية على زملائي في العمل حتى وصلت إلى مكتبي فجلست على كرسيه ألاحظ كمية الأوراق فوق سطحه و الورقة الملصقة فوقها ..
فأخذت أقرأ ما كتب فوق سطور الورقة لأعلم أنها ملفات للصفقات القادمة و التي أنا مطالبة بدراستها من أجل حضور الاجتماعات التي سأترأسها و لويس كوني نائبته ..

مرَّ وقت طويل وأنا أغرق وسط كومة الأوراق التي كدت أنهيها فكما سبق و قلت فإن هذه المؤسسة تزخر بالنجاح و التألق في مجال التجارة و الإقتصاد وشيء متوقع أن يكون لها العديد من الصفقات مع مختلف الشركات المحلية منها أو الدولية ...

بعد إنهائي للملفات أخذت كتيب ملاحظات ثم ذهبت إلى مكتب السيد توماس أبحث عن شرح لأشياء وجدتها داخل الملفات ..

طرقت الباب أنتظر الرد فجاءني صوت شخص من الواضح أنه ليس السيد توماس فدخلت إلى المكتب أبحث بعيناي عن صاحب الصوت فرأيت لويس يقف أمام الجدار الزجاجي بملابسه الرسمية السوداء ينظر إلى الشوارع خارجاً فقلت برسمية :
- عفواً ، أين هو السيد توماس ؟
فالتفت إلي لألحظ عيناه الشاردتان فقال لي بصوته العميق :
- إن السيد توماس يعاني من وعكة صحية لذلك يمكنكِ أن تتعاملي معي الآن
أومأت له ثم قلت وأنا أتقدم من المكتب :
- لقد أتيت لأتساءل عن مجموعة من العوارض التي لم أستطع أن أحللها بدقة
فجلس على مقعده يشير إلي بالجلوس ففعلت ثم فتحت الكتيب أبحث عن تلك الكلمات المفتاح التي دونتها كي لا أنسى ما جئت للتحدث بشأنه فقلت له بعد أن وضعت نظارتي الطبية :
- هناك صفقة تمت قبل سنة مع شركة ياماها من الولايات المتحدة الأمريكية ، كان مفادها هو تصدير السلع لمدة ثلاث سنوات مقابل استثمار مهم في شركتنا
فأومأ لي بينما أخذت نفسا ثم أكملت :
- لكن إذا كان هناك إستثمار بمبلغ مهم كهذا يجب أن يُدَون اسم المستثمر و موقعه في الشركة المستورِدة في حين لا توجد أي معلومة حوله غير أنه موظف في تلك الشركة
أخذ يبحث في الدرج ليخرج ملفا ثم قال :
- هذا هو الملف الخاص بتلك الشركة وإذا دققتِ النظر في معلوماتها فسوف تكتشفين أن العقد يحتوي على شرط مفاده أن الإستثمار سوف يُقدم من طرف الشركة أي أنه ليس من الضروري ذكر اسم أو معلومات هذا المستثمر طالما أنه بالفعل قد أعطى ما اتفقنا عليه
أومأت له ثم قلت :
- و إذا لاحظت تاريخ العقد فإنه سينتهي بعد سنتين لذلك يمكن لهم أن يسحبوا استثمارهم بعد هذه المدة بدون أية مخاطر قد تلحق بشركتهم
ابتسم بثقة ثم أردف :
- إن شركة ياماها من أقدم الشركات التي تعاملت مع شركتنا لذلك قد خلقت بيننا الثقة و الوفاء في العمل فلا تخافي على الشركة من الأصدقاء القدامى
فقلت له أرفع حاجبي الأيسر :
- ألا تعلم أن الثقة في غير محلها تضر بصاحبها ، فالخيانة من المقربين تترك أثراً عميقاً لا يزول أثره بسرعة
قطب حاجبيه ثم أردف متسائلاً :
- ما الذي ترمين إليه ؟
تنهدت ثم أردفت أسند يدي إلى مكتبه :
- إن شركة ياماها من الشركات القدامى أيضا بالنسبة للشركة الخاصة بعائلة واتسن ، ولن أنسى ما فعلوه مع الشركة عندما سحبوا كل استثماراتهم التي قدموها على مدار خمسة عشر سنة من الشراكة معهم وفي وقت كانت فيه الشركة في أوج نجاحها ، وأظنك ستعلم ما الذي حدث بعد ذلك كونك رجلا مهما في الميدان
أومأ مفكرا ثم قال و هو يرخي ظهره على الكرسي :
- إذا ما الذي يفترض بي أن أفعله إذا كان ما قلته هو القادم في مستقبل الشركة ؟
ابتسمت بثقة ثم أجبته :
- الآن لا يوجد لديك ما تفعله فلقد سبق و قدموا استثمارهم إلى الشركة ، فقط لا تسمح بتضاعف نسبة الاستثمار من طرفهم عن طريق صفقات أخرى لأنهم ينتظرون الفرصة المناسبة لسحب الاستثمارات وطبعا ستكون هذه الفترة حين نحقق نجاحا مهما
فكر قليلاً ثم قال لي وهو يبحث بين الأوراق على سطح المكتب :
- إنها نقطة جيدة يجب علينا الالتفات إليها ، أما الآن فهناك ما يجب عليك الاطلاع عليه أيضاً
قطبت متسائلة فأكمل وهو يمد إلي ملفا ذو أوراق كثيرة :
- هذه معلومات شاملة عن المؤسسات التي سوف نتعامل معها الشهر القادم
أخذت الملف أتجول بين صفحاته فسألت :
- لقد سبق ودرست الصفقات القادمة ،إنها شراكات ممتازة بالنسبة لنا لكن هل سيُعقد الاجتماع هنا ؟
فأجابني يشبك أصابعه على المكتب :
- لا ، سوف يُعقد الاجتماع في فرنسا لذلك سوف نذهب في رحلة عمل لمدة شهر
فقلت له أضع الملف على الطاولة :
- متى سوف نذهب ؟ ومن سوف يذهب معنا ؟
فأجابني يحتسي من كوب قهوة سبق و وُضِع أمامه :
- إن موعد الرحلة بعد يوم ، وسوف نذهب نحن و موظفان آخران في نفس القسم
أومأت له ثم قلت و أنا أنهض من مكاني :
- حسناً ، الآن سوف أذهب و بَلِّغ السيد توماس أنني أتمنى شفاءه العاجل
قاطع خروجي صوته الرجولي قائلاً :
- يبدو أن شخصيتكِ الشرسة بدأت في الاختفاء
التفت إليه ثم قلت بابتسامة جانبية :
- أنا إنسانة تفرق بين حياتها الخاصة و العمل ، لكن إذا أردتها أن تظهر فلن تكون سعيدًا بذلك
فابتسم قائلاً :
- حسنا أتمنى أن لا تظهر مستقبلاً ، هل لديك أي عمل تقومين به أثناء الإستراحة ؟
فكرت قليلا ثم أجبت :
- لا ، لماذا ؟
فقال وهو يقوم من مكانه يتوجه ناحيتي :
- فقط أريد دعوتك لتناول الغذاء
رفعت حاجبي الأيسر ثم قلت متسائلة :
- هل يوجد سبب وراء ما تفعله سيد لويس ؟
فأجاب يمثل عدم الفهم :
- ماذا أفعل ؟ فقط أريد دعوتك لنتناول الطعام ، هل هذا شيء غريب ؟
حملقت في وجهه بريبة لفترة ثم قلت بنبرة صوت تملكها الشك :
- لا أشعر بالراحة لهذا لكن حسنا نلتقي أثناء الإستراحة

you and me ... different  ~  أَناَ وَ أَنْتَ ... مُخْتَلِفَانِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن