طاف يوسف طرقات البلدة بخطى متمهلة يتأمل باستمتاع حقولها الممتدة الخضارعلى اختلاف درجات اللون، يطالع وجوه الناس الطيبة التى تتباين تعبيراتهم بين ترحيب وتسائل عن هوية هذا الغريب
يحث خطاه تارة فى اشتياق لأسرة لم يعرفها ويتمهل الأخرى توجساً من قرب اللقاء ... تجاوز الحقول والمنازل قاصداً وجهة محددة استعان على تحديدها بوصف تفصيلى من الحاج سليم بعد أن أفصح له يوسف عن حقيقة هويته وأصله
سار ما يقرب من النصف ساعة بمحاذة ترعة مائية تشق المشهد لأراضى زراعية على جانب و على الجانب الأخر مبانى مختلفة الأطوال والأشكال استمر فى خطاه وهو يتلقى نظرات أهل البلدة المتعجبة من شخصية هذا الغريب الذى يبدو أنه يعرف وجهته جيداً
فأثار فضولهم وتساؤلاتهم عن هويته ففى مجتمعهم الصغير الجميع يعرف بعضهم البعض والغريب مميز وسطهم.
أخيراً توقف أمام منزل ريفى قديم مكون من ثلاث طوابق تحيطه ساحة صغيرة محاطة بسور حجرى وبوابة حديدية متوسطة الحجم
وقف يتفحص المنزل من الخارج ودقات قلبه تتسارع وعقله لا يساعده من تزاحم الأفكار التى يبثها له "أيعود من حيث أتى أم يتقدم فى سعيه للبحث عن دفء الأسرة"
أقترب بضع خطوات أمام البوابة الحديدية وجرت نظراته على اللافتة النحاسية المعلقة بجانب الباب "عائلة البدرى"
سحب نفس طويل يُهدأ به نفسه ويوقف أفكاره المشعثة
الله أراد له أن يطأ تلك الأرض بقدميه أذن لن يتراجع الأن، سمى الله بخفوت ثم مد يده ليقرع الجرس الموضوع بجانب الباب
انتظر دقائق فى ارتباك حتى شعر بضلفة من الباب الحديدى تُفتح ببطء وظهر من خلفها شاب يكاد يكون فى سن يوسف ربما يصغره بسنة أو اثنتين على الأكثر، خمرى البشرة، نحيل الجسد رغم تناسق كتلته العضلية الواضحة فى عنقه وساعديه
تأمل الشاب يوسف فى صمت وقد أدرك أنه غريب عن البلدة وربما أتى فى حاجة له فتسأل ببشاشة :- أهلاً وسهلاً .. أى خدمة!!
تفرس يوسف فى ملامح الشاب ومازال الارتباك هو سيد الموقف، لا يدرى كيف يُقدم نفسه، هل ستتقبل العائلة وجوده أم لا؟... استجمع شجاعته وتجرأ قائلاً بهدوء
:- أنا عاوز أقابل كبير العيلة
تعجب الشاب من طلبه فعلى ما يبدو لا يعرف من كبير العائلة، فالأن أصبح لديهم كبيرة للعائلة العمة أصيلة ... إذن هو عابر سبيل يحتاج لمساعدة فعائلته معروفة بمد يد المساعدة للجميع
ابتسم الشاب بود وقال بعفوية
:- تقدر تقولى محتاج إيه و أنا أساعدك .. أنا جلال البدرى
تفحصه يوسف وابتسامة ودودة ترتسم على ثغرة برغم عدم معرفته السابقة للشاب ثم بدأ فى تعريف نفسه
:- وأنا يوسف البدرى
جحظت مقلتى جلال بدهشة وهو يردد باستنكار
: نعم!! ... مين حضرتك؟
رفع يوسف كفه لترتاح على صدره وكرر ببطء
:- يوسف حسين البدرى
تأمله جلال ذاهلاً غير مصدق لما يسمع، إن هذا الاسم مجرد أسطورة من الماضى بالنسبة له ....كل ما سمعه أن له عم أكبر غادر البلدة هرباً من الثأر وكل علاقته بالأسرة انحصرت فى مكالمات تليفونية على فترات متباعدة... ردد متسائلاً بتشكك
:- حسين البدرى ... عمى!!
هز يوسف رأسه بالإيجاب وعلى وجهه ابتسامة محببة ثم مد يده ليخرج محفظته ويلتقط بطاقته الشخصية يقدمها لجلال
مد جلال يده بشك ليتناول البطاقة ومقلتيه مسلطة على وجه يوسف ثم رفع البطاقة أمام عينيه يطالع الاسم المدون بالكامل
صُدم جلال وظل محدقاً بوجهه للحظات بعدم استيعاب قبل أن يجذبه ليحتضنه ويربت على ظهره بود وترحاب كغائب عاد إلى أرضه بعد سنوات عدة ثم أخذ بيده لداخل المنزل بخطوات واسعة يقطع الساحة الصغيرة التى تفحصها يوسف سريعاً وكأنه يبحث عن أثر
والده بين جنبات المنزل
فتجول بنظره سريعاً بين مقعد للرجال جانباً مكون من أرائك خشبية ووسائد عربية وفى الجانب الأخر حديقة صغيرة تحوى العديد من الخضروات والأزهار بجانب أشجار للفاكهة موزعة على الجانبين
صعدوا عدة درجات قليلة قبل أن يدلفوا لقاعة المنزل التى تضم بهو كبير بالطابق السفلى ثم قاعة كبيرة لاستقبال الضيوف وأخرى لتناول الطعام وبالجانب سلم داخلى يوصل للطوابق العليا حيث غرف النوم .... صاح جلال منادياً على عمته
:- يا عمة .... عمة أصيلة تعالى بسرعه
لحظات وخرجت من غرفة جانبية سيدة فى أواخر العقد الخامس بعباءتها ووشاحها الأسودان يزين صدرها عقد ذهبى قديم يحيط عنقها (كردان) وبملامح جادة على وجهها خمرى اللون الذى خط عليه الزمن خطوط من الهموم والأحزان ولكنه لم ينجح فى إخفاء جمال قسماتها وحنان مقلتيها
وقفت بوقار أمامهم وهى تتأمل يوسف بعيون كالصقر ... صاح جلال بسعادة وهو يشير نحو يوسف
:- يوسف ياعمة .... يوسف ابن عمى حسين
أنت تقرأ
التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إيمان سلطان
Romanceرواية تدور أحداثها في الصعيد وما يحتويه من عادات وتقاليد تربط بين العائلات من خلال يوسف الذى تجره الأحداث للعودة إلى دياره ليكتشف سبب هروب والده من بلدته ويحاول إثبات براءة والده من خلال مجموعة من الأحداث سيتم نشر الفصول تباعا....