الفصل التاسع عشر

1.8K 50 3
                                    

تحركت بخطى بطيئة تتحسس طريقها فى طرقات لا تعرفها ولم تطئها من قبل، تتلفت حول نفسها بنظرات زائغة، قلب مرتعب ومشاعر متصارعة داخل جنباتها يسيطر عليها الخوف

الخوف أن يدركها زوجها ويعيدها لسجنها دون أن تصل للحقيقة، الخوف ألا تستطيع الوصول إلى بر النجاة والخوف من قطع سبل العودة لأولادها

توقفت خطواتها شاخصة البصر نحو أقدامها وسؤال مُحذر يتردد فى عقلها "ماذا فعلتِ وإلى أين تذهبين؟ وكيف هجرتى أبنائك؟"

تجمدت حركتها وتلألأت مقلتيها بالدمع الحائر لمدة لاتعرف مداها، هاربة الأنفاس، مشتتة التفكير، انتشلها من ذهولها صوت ضحكات مرحة ومشاكسات دفعتها لتلتفت نحو الصوت

ثلاثة من طلاب مدارس يتخطون عمر ياسين ابنها ببضع سنوات، يسرعون الخطى نحو مدرستهم ويتعاتبون على التأخير بصخب وكلاً منهم يُلقى اللوم على الأخر

جذبت الوشاح الأسود الشفاف على وجهها ورفعت كفها توقفهم بصوت مهتز متردد

:- فين دار البدرى؟

تجمع الطلاب حولها يواصلون مرحهم، وقال أحدهم ساخراً

:- أنتِ مش من هنا ولا إيه يا خالة؟ حد مايعرفش دار البدرى

ناظرته بعين واحدة تظهر من خلف الوشاح التى تقيد حركته فوق وجهها بقبضة يدها وأيدت كلامه بأنفاس متلاحقة بلهفة

:- أيوه ... مش من إهنا ... فين الدار؟

أشار طالب أخر نحو الطريق بأصبعه يشرح لها الطريق

:- هتمشى مع خط الترعة يا خالة لحد المعدية ومن إهناك تعدى البر التانى ... هناك دار البدرى

أومأت برأسها عدة مرات شاكرة بصوت يكاد لايسمع، وأسرعت الخطى حيث أشار الصبى بعد أن أخفت وجهها تماماً بوشاحها الأسود الشفاف

حين انتقلت للضفة الأخرى من الترعة وقفت تعيد نظرها للخلف، مازال منزل السمرى يظهر أمامها رغم المسافة، شامخ وضخم ساكن سكون ما قبل العاصفة التى بالتأكيد ستهب عليها وتعصف بها فى أى لحظة

حولت نظرها إلى مياه الترعة والأشجار الضخمة المائلة عليها، فدادين شاسعة من درجات الخضرة المبهجة المريحة للأعصاب والشمس تفرد أجنحتها الذهبية تمنح الدفء والضياء

سحبت نفس طويل تستنشق الهواء الندى ومقلتيها تعانق هذه اللوحة البديعة التى تمنح العين والقلب السكينة وشعاع من الأمل يتسلل مضيئاً قلبها الذى اكتظ بالحزن والألم والقهر

مرت سيدة خمسينية تحمل على رأسها سلة كبيرة من الخوص (مشنة) تحتوى على بعض الخضروات تسندها بأحد ذراعيها، استوقفتها أمل سائلة بلهفة

التقينا فأشرق الفؤاد بقلم / إيمان سلطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن