36- لا تنقذيني

7.5K 773 268
                                    

كانت تلكَ ليلة مملوءة بالأمطار والأجواء الدافئة في المنزل. مضى أسبوع دراسي آخر وكانت تلك عطلة نهاية الأسبوع أقضيها في المنزل لأني معاقبة؛ في الطابق الأرضي أقف قرب النافذة أراقب المطر الذي يهطل في الخارج، كنا قد تناولنا العشاء للتو...أعني، أنا وأمي وأبي.

"الأمطار غزيرة" خرجت من شفتاي بينما أراقبها بإبتسامة؛ كلماتي كانت موجهة إلى أبي الذي يجلس على الأريكة يشاهد برنامجا كوميديا سخيفا، أصدر همهمة ثقيلة عيناه لا تفارقان الشاشة يجعلني ألتفتُ للنظر إليه من فوق كتفي مع إبتسامتي "أبي هل تحبّ المطر؟" بدوتُ فضولية لأعرف وهو حول بصره ناحيتي ينظر إليّ، تثاءب بملل وهز كتفيه "لقد كنتُ أفعل عندما كنتُ طفلا" رسم إبتسامة دافئة قدمها لي وتابع "لكن لم أعد أحبه" ساقاي تحركتا ناحيته أرفع حاجبي بتعجب "لماذا؟"

"ذات مرة عندما كنتُ في المدرسة المتوسطة، لا أتذكر أيّ سنة بالضبط، كنتُ عائدا إلى المنزل في جوّ ماطر وقررتُ إستخدام طريق مختصر لأن الأمطار كانت شديدة" توقف عن الحديث يضحك بخفة بمجرد تذكره للأمر وهذا جعل شفتاي ترتفعان أتقدم أكثر منه وأجلس بجانبه "ثم ماذا حصل؟"

"حسنا––" لم يكمل جملته وضحك مرة أخرى يجعلني أهزّ كتفيه بفضول شديد "أبي أخبرني ماذا حصل بعدها"

"سلكتُ ذلك الطريق ولم يكن ممهدا، بالإضافة إلى عدم وجود الاسفلت، مالذي سيحصل؟" ضحك بخفة، "أفزعني كلب ضالّ وإنزلقت قدمي في التراب الرطب فسقطتُ في حفرة، صرختُ كثيرا وناديت ولكن لم يسمعني أحد" تفرقت شفتاي وإبتسم هو "قضيتُ ليلتي هناك في التراب المبلل والمطر والبرد، ثم في الصباح التالي وجدني أحدهم وساعدني في العودة إلى المنزل، لقد كانت أسوء عقوبة أنالها" أنهى كلامه بضحكة أخرى "لم أعد أحب المطر منذ تلك الحادثة"

"فهمت" نطقت بها بهدوء أغلق فمي الذي فتح من قصته؛ "ماذا عنكِ؟ لماذا هذا السؤال على أية حال؟" سألني يداعب وجنتاي وهززتُ رأسي "أحبه كثيرا، هل تعلم أن جايك يحبه أيضا؟"

"حقا؟" أبي رفع حاجبه مع إبتسامة وهززت رأسي له بتأكيد "أجل، إنه مستعد ليأخذ برد مقابل قضاء وقته تحت المطر"

"أتساءل إن كان تحت المطر الآن" تدخل صوت أمي التي جاءت لتوها من المطبخ تجعلنا نلتفت للنظر إليها، ملامحها هادئة كعادتها لكن ليست قاسية أو منزعجة، إنها فقط هادئة––باردة.

تقدمت تحمل صينية بها ثلاثة أكواب من مشروب الكاكاو الساخن ووضعتها على المنضدة المواجهة للأريكة تأخذ جلستها أمامنا على الكرسي الجلدي، تغوص به وتحمل كوبها بيديها.

"شكرا لكِ عزيزتي" تحدث أبي بهدوء يمدّ يده ليأخذ أول كوب وقدمه لي قبل أن يأخذ الآخر مرتشفا منه بخفة، وفعلتُ المثل؛ مذاقه لذيذ للغاية وبدفئ إبتلعت الرشفة تنزل إلى معدتي تجعلني أشعر كأن أحدهم يقوم بمعانقتي؛ أمي تجيد تحضيره، في كل مرة نفس المذاق الساحر، لا يتغير.

عيب ومثالية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن