38- بداية جديدة

7.7K 732 53
                                    

جايك

طرقتُ الباب مرتين وإنتظرت لحظات عندما رأيته أخيرا يُفتح، عيون أمي واجهتني تحدق بي بإستغراب "جايك؟" نطقت إسمي لكني لم أتخذ أي ردّ فعل، انتقلتُ بعيناي إلى الداخل وتنحّت هي جانبا تفسح لي المجال للدخول، قدمتُ لها إبتسامة هادئة أسير للأمام وأغلقت هي الباب ورائي. "هل أنتَ بخير؟" سألتني تقترب مني تطالع وجهي وإكتفيت بتحريك رأسي أتنهد بصوت غير مسموع "تفضل معي، سآتي لكَ بشيء لتشربه"

"شكرا" نطقتُ بخفوت أخلع سترتي أرميها على ظهر الأريكة وأرتمي عليها بتعب، أطلقتُ زفرة طويلة، مختلطة بشتى المشاعر؛ شيء ما كان فوق صدري، يثقلني ولم أجد غير أمي لأبوح لها بكل ما لديّ، لا أحد آخر غيرها.

عادت بعد لحظات تحمل صينية بها كأسين من العصير وسارت بإتجاهي تضعها على المنضدة وتجلس بجانبي، عنقها دُقّ ناحيتي ترمقني بنظرات مستفسرة، تحاول قراءة ملامحي وفهم ما يحصل، لكنها قلقة من السؤال. "شكرا لكِ" إبتسمتُ، مددت يدي أحمل الكأس وآخذ رشفة أولى منه "أحببته"

"المفضل لديك منذ صغرك" بادلتني الإبتسامة ترمقني بنظرات حالمة وهززت رأسي لها بالموافقة أعيد أخذ جرعة أخرى، أريدها أن تشعر بأن إبنها ما يزال موجودا وأنها لم تخسره مطلقا، هي لا تستحق أن تشعر بالخسارة وأعتقد أني بدأت أفهمها، أفهم وجهة نظرها ورغباتها، بدأتُ–––أحترمها.

كل ذلك بفضل أوليفيا.

"إذا ما سبب هذه الزيارة؟" أمالت رأسي لي تمد يدها وتخلل أصابعها في شعري، تمسك بخصلاتي بخفة ونعومة، إبتسامتها الموجهة ناحيتي تُشعرني بالدفئ وهذا فقط يجعلني أرغب في دفن وجهي في صدرها وإفراغ كل شيء، لكن تبا! أنا فتى بالغ الآن–––الصبية الكبار لا يفعلون هذا. أطلقتُ تنهيدة ثقيلة أعيد الكأس على المنضدة وأرخي ظهري للوراء، رفعت وجهي للأعلى أقابل السقف والثرية المتدلية منه "لن يبدو حقيقيا إن قلتُ أني وددتُ زيارتك فحسب، وربما ستكون أنانية كوني جئتُ لأجل شيء يشغلني"

"اوه جايك، لا تقل هذا" عيناها ارتخت ونظراتها لانت أكثر، الدفئ الصادر منهما غير قابل للزوال أبدا وهذا يجعلني أشعر ببعض––الفخر. هززتُ رأسي أبتسم بأسى، ملامحي بالفعل كانت منكسرة والذنب يتقافز منها، واضح ولن تفوّته عين أمي أبدا

"مشكلة كبيرة؟" هي سألتني ولكن علمتُ أنها كونت فكرة، رميتها بنظرة خاطفة أتهرب منها لكنها تعلم؛ هززت رأسي ونظري منصب على يداي الموضوعتان فوق ركبتاي بطريقة متوازية "أجل، يمكنكِ قول ذلك"

"مالذي حصل؟" سألتني بإهتمام تمنحني كل تركيزها وإبتلعت ببطئ، ما أزال أتهرب منها؛ "ٱنظر إليّ جايك" لكني إستغرقتُ بعض الوقت في ذلك، ربما الذنب الذي يجعلني أشعر بالخجل إن أخبرتها، كيف سأخبرها واللعنة؟

لحظات أخرى مرت وهي تنتظرني بصبر، أخيرا تجاسرتُ على تحويل بصري إليها، ما تزال تحدق بي برفق، إبتسمت وبإيماءة خفيفة مررت يدها على يدي تمسك بها بدفئ وتداعبني بأصابعها "لا بأس جايك، يمكنك إخباري بكلّ شيء، سأكون هنا لأجلك وأقف معك" هي عادت لتضع يدها على شعري تمسك بأطراف خصلاتي من وراء عنقي وترمقني بهدوء، طمأنينة؛ تجعلني أومئ وأقرر إتخاذ الخطوة الأولى "الموضوع يخصّ أوليفيا" ذِكرها جعل حركة أمي تتوقف ورمقتني بإهتمام، موضوع أوليفيا يهمها بشدة وهي أرادت أن تعرف الآن، كل شيء.

عيب ومثالية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن