الأنكَارُ الصّحِيح.. أو الحَقِيقِي!

107 25 0
                                    


هل الإنكار أن تتابع الأنمي وهو يعرض المحرمات وتكتفي ببغض المحرمات التي تُعرض في قلبك وتستمر في المتابعة باستمتاع؟

أعتقد أنّ الجواب بالعقل يكفي.. لكن لنسأل أهل الذكر فنعرف حكم الشرع! 


فتوى-بجدية- رائعة ومفيدة: 

مفاد سؤالها عن حكم من جلس يشاهد فيلماً يُسبُّ فيه الدين أو يستهان فيه بالشريعة..

فكان الجواب:

الحمد لله..

حرّمت نصوص الشريعة المطهرة كل معصية، وسدّت أبواب الوسائل إليها، ونهت عن التعاون على الإثم والعدوان، وعن التشبه بالعصاة، وبيّنت أن من أحب قوما حُشِرَ معهم، ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم .

وكان مما حرمته الشريعة مشاهدة تلك الأفلام والمسلسلات وبرامج الغناء والترفيه المتضمنة لأي لون من ألوان المعصية .

ومشاهدة مثل هذه الأمور إقرار لأصحابها على باطلهم، ومن رأى المنكر فأقرّ به ورضيه ولم ينكره كان في حكم فاعله .
قال الله تعالى : ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ()

قال ابن كثير -رحمه الله- :" أي: إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك، فقد ساويتموهم في الذي هم فيه" انتهى()

وقال السعدي -رحمه الله :" -أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة فأنتم مثلهم؛ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن من حضر مجلسا يُعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها" انتهى()

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله :-"لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَحْضُرَ مَجَالِسَ الْمُنْكَرِ بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَال: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ)()"

وَرُفِعَ لِعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْمٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَأَمَرَ بِجَلْدِهِمْ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ فِيهِمْ صَائِمًا. فَقَالَ : ابْدَأوا بِهِ، أَمَا سَمِعْتُمْ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ((

بَيَّنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ حَاضِرَ الْمُنْكَرِ كَفَاعِلِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْخَمْرِ وَالزَّمْرِ لَمْ يَجُزْ حُضُورُهَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَمَنْ حَضَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِتَرْكِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ إنْكَارِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي يَحْضُرُ مَجَالِسَ الْخَمْرِ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ هُوَ شَرِيكُ الْفُسَّاقِ فِي فِسْقِهِمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ" انتهى ().

وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : (سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرف بَرئ، ومَن أنْكَر سَلِم، وَلَكِنْ مَن رَضِي وتَابَع) .

فمن جلس يستمع لمثل هذا المنكر أو يشاهده فهو شريك أصحابه في الإثم، وإذا تضمّن كفراً – والعياذ بالله – كسبِّ الدين أو الطعن في الرسالات أو المرسلين أو الاستهانة بأحكام الدين وشرائعه والسخرية منها كاللحية والنقاب –كما يصنع كثير من أهل الضلال اليوم– فجلس يصغي إليهم، ولا يغضب لله، وهو راض بما يقولون فهو مثلهم .قال الله تعالى : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾()

فمن أتى بكلمة الكفر أو بفعل استوجب الكفر وهو يعلم أنه كفر فهو كافر، سواء أتى به جادا أو هازلا ، ومن أصغى إليه ولم ينكر عليه، ورضي بما قال أو فَعَل : فهو كافر مثله .
بل لو لم يرضَ بذلك المنكر، وكرهه بقلبه، ثم لم يقم من مكانه، وهو قادر على ذلك: كان آثما بمجرد الجلوس؛ فلو سلم من الكفر، لم يسلم من الوقوع في إثم الجلوس في ذلك المكان.

سُئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله :-
أنا شاب ملتزم وأجلس في هذه الليالي المباركة في استراحة مع بعض الشباب، لكن قد يأتي من يدخن وقد يأتي من يشرب الشيشة، فماذا أصنع في هذه الحالة؟

فأجاب: "قال النبي ﷺ: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)() فإذا حضر إلى مجالسكم حاضر وشرب الدخان فانصحه أولاً، فإن انتهى فهذا خير لك وله، وإن لم ينته وأنت قادر على إخراجه من المكان فأخرجه لأنك تقدر على تغيير المنكر بيدك، وإن لم تقدر بأن كان المكان لغيرك فاخرج؛ لأنك لم تستطع بلسانك ولا تستطيع بفعلك، ما الذي بقي؟ القلب. القلب لا يمكن أن ينكر شيئاً ويبقى مع صاحبه أبداً ، فاخرج ، قال بعض الناس: إنه يجلس معهم وهو كاره بقلبه. نقول: سبحان الله العظيم! هذا تناقض، لو كنت كارهاً بقلبك فمن الذي أجبرك؟ لا يوجد إجبار، فكل إنسان ينكر الشيء بقلبه فلا بد أن يفارق مكانه، وإن ادعى أنه منكر بقلبه وهو باق في مكانه فهو كاذب"().

والحاصل.. أن من شاهد ذلك وسمعه ورضي به فحكمه حكم الفاعل له، وأما إذا كره ذلك بقلبه ولكنه استمر في المشاهدة والاستماع فهو على خطر عظيم، وإن سَلِم من الكفر لم يَسْلَم من الوقوع في الإثم والمعصية.

- والله تعالى أعلم 


 -انتهت الفتوى-

لنكف عن الأنميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن