"هل يمكن لسيريوس ان يكون تائهًا مجددًا؟"
_____________حيث هطلت رقاقات الثلج الناصعة مغطية اسطح الصخور السوداء المتراصة و كأنها تغسل يأس العالم بنقاوة بياضها، هاهو المحيط كعادته مستمر في رفضٍ تام لسكون حركته. و كأنما اغشى الظلام على المشهد من ثقل السحب، ضوء خافت مبيض اخترق بعضه ليلقي بنوره على بقع ما مانحًا لها أثرًا اشبه بهالة مقدسة. رائحة مترهلة لملوحة المحيط شبعت برمال الشاطئ الرطبة تلتصق بكل عابر، محاولة يائسة لتخليد ذكرى كل موجة به خوفًا من الهجران، حيث وجدت مبتغاها عنده قدميه، طمست نسيم المحيط على حذاءيه و أطراف بنطاله الأسود المبتل بمياه المحيط.
حيث قدر لكلاهما الاجتماع لمدة ثلاث أشهر كل عام -الثلج و المحيط- إلا أنه لم يقدر الأمر ذاته لتجسيديهما..
حيث تمر من جانبه و تتساءل ما اذا كان جذعه و عيناه مسمران بالمحيط، تنعكس امواج صغيرة على مقلتيه و كأنها مطبوعة بها، شاردٌ بين درجات الأزرق و الرمادي بتناغم عميق و كأنه غارق في بحث عميق وسط سجلات آكاشا العظمى المحفوظة في وعيه الغائب.
و كلما شهدت هذه المسرحية الطبيعية كلما واجهت صعوبة في تمييز كيانه عنه، تؤمن بقرارة نفسها انه قد يأتي يوم و يذوب فيه من شدة شبهه به، و كأنه قطعة تائهة من المحيط تحاول العودة الى حيث منتماها، مشهد يجبر شفتيك على الانطباق و روحك على الاستماع لصوت تلاطم الامواج بقدميه، بالنسبة لها.. كان يبدو تائهًا اكثر من كونه مدركًا لحيث ينتمي -و إن كان فعلاً في حيث ينتمي- اشبه بقطعة خشب من حطامٍ متناسى اخلت سبيلها للموج مسيرًا لها.- "هل تهت مجددًا؟ عزيزي سيريوس.."
نطقت بهدوء خلفه خشية ان تقاطع سير امواج المحيط المتلاطمة، لوهلة ما بدى و كأنه جدار ما، جدار يكاد ان ينقض الا انه اقام نفسه بتكابر عجيب.
مجيبًا لها بالصمت، كانت مصارعة شديدة بين محاولتها لحفظ هدوئها و رمي كرة ثلج على مؤخرة رأس هذا الاحمق.
- "لا تحاولي"
- "..تبًا لك"
كيف عرف بأنها انحازت لفكرة كرة الثلج؟
- "اظنني اخبرتك بأني اريد قضاءه بالنوم و حسب"
- "و كأنني سأدعك تفعل هذا؟ ممل للغاية"
- "احب الملل"
- "و ها انت تخونني معه مجددًا و مع النوم ايضًا!"
- "مغالطة"
- "..."
لم تعرف ايهما اكثر برودًا كرات الثلج التي ستصيب رأسه ام رأسه بحد ذاته؟
- "العنف مغالطة ايضًا عزيزتي"
- "و مغالطة كل شيء اليس بحد ذاته مغالطة ايضًا؟"
- "همم.. ربما.."
- "الاهم من ذلك.."
مدت لديها لتحتجزه في حضنها بقوة، ياله من سخيف..
- "انت تجعلين الامر صعبًا علي.."
- "اخرس و احتضني ايضًا، لا تدعني هكذا؟"
بدت و كأنها قطة صغيرة متشبثة به، طبعًا لم يستطع ان يستمر بـ"قساوته" و شدها الى حضنه..
لتهب انسام المحيط و كأنها تحاول دفعهما ليقتربا اكثر من بعضهما، حركت خصلات شعره الغير مربوط لتلامس عينيه قليلًا، رفعت يدها بهدوء الى وجنتيه رافعة ابهاميها لتبعد شعره.
- "اوه؟ يبدو ان بعض الرمل عالق بين جفنيك و شعرك؟"
اغلقت جفنيه بلطف ماسحة حبال الرمل العالقة.
- "لا تغلقي عيني.."
- "لما؟"
- "اريد النظر اليك"
رفع يديه ليبعد ابهاميها بقدر ما يسمح له بفتح عينيه ليراها تتهرب من عينيه بالتظاهر بترتيب شعره، اطراف فستانها اصبحت مبللة.. لحظة لما ترتدي فستان في جو كهذا؟
- "تبًا لك هذا محرج.."
- "همم؟"
- "توقف عن هذا و انحني لا يمكنني ربط شعرك مع سيقانك السرعوفية هذه عزيزي"
- "لا تربطيه دعيه هكذا"
- "سيدخل في عينيك"
- "انا لست ابنك"
- "اوه حقًا؟ تتذكر عندما كنت تناديني مـ-"
- "لا لا اتذكر اي شيء بخصوص هذا طبعًا"
- "تسك- ابن عاق"
- "انا حرفيًا اكبر منك؟؟"
- "العمر مجرد رقم"
- "انتي التي تبدين كأنك طفلة، كأنك ابنتي"
- "...."
- "ربما يجب ان اتبناك لاربيك.. لحظة السنة القادمة سيمكنني تبنيك رسميًا"
- "الست افضل كزوجة اكثر من ابنة؟"
- "زوجة و ابنة"
- "اي اب و زوج يكون لئيم هكذا؟"
- "لست لئيم"
- "اود رمي كرة ثلج عليك"
- "رأيتي؟ انت العنيفة و اللئيمة هنا، انا مجرد رجل مسكين يريد قضاء حياته و يوم ميلاده بسلام و هدوء😿"
- "انها مجرد كرة ثلج..."
- "😸"
- "تبًا لك.."
- "المهم لما ترتدين فستان؟ حتى لو لم تكوني تشعرين بالبرد فكل شيء واضح بما ان لونه ابيض"
- "كل شي- هاههه؟؟"
نظرت لجسدها فورًا لتجد فستانها اصبح مبلل للغاية و شبه شفاف لتحتضنه و تدخل داخل معطفه مخفية نفسها، لا بد ان شجارهم و الرياح ساعدوا في ايصال الماء لاعلى.
- "هل تدعين بأنك متفاجئة ام ان هذه خطتك لإغرائي؟"
- "اتمنى لو كنت حقًا خططت لهذا.."
خلع معطفه ليلفها به، بدت كقطة بيضاء صغيرة مبتلة..
نظر لها لبضعة لحظات و هي ملفوفة بمعطفه الذي يفوق حجمها بضعفين ليتنهد و يحملها.
- "..؟"
- "ماذا لا يمكنني تركك مبللة هكذا و بفستان شفاف"
- "تغار؟"
- "ليس من شأنك.."
- "هيااا اعترف عزيزي~"
- "اخرسي"
- "لئيم.."
- "و ماذا اذن.."
- "؟"
- "نعم اغار عليك ماذا في هذا؟"
- "...."
- "قطة حمقاء.."
"بومة خرقاء.."
مرت لحظات و هم صامتين متجنبين النظر لبعض، لتقرر اخيرًا ان تستجمع شجاعتها و تسحبه في قبلة صغيرة..
- "تحاولين اغرائي بفستانك المبتل و تخجلين عند تقبيلي؟"
- "قلت لك باني لم اتعمد-"
ليسكتها بقبلة عميقة منه و يكمل طريقة للحانة.
- "..هل هذا تلميح بأن الاغراء نجح؟"
- "من يعلم، ثم اليس هذا اثبات بأنك فعلًا خططتي له؟"
- "ل-"
قبلة اخرى..
- "ماذا؟ اكنتي ستقولين شيء؟"
ربما كان ليجف فستانها من شدة خجلها و حرارة وجهها.. ارخت رأسها على كتفه و احساس مليئ بالراحة و الدفئ و شيء من السعادة و الخجل غمرها بهدوء.
- "احبك.."
- "انا اكثر"
وصل للحانة مبعدًا شيء ما.
- "ما هذا؟"
- "مصيدة قطط بسيطة مخصصة لقط ابيض صغير ما"
- "مصيدة؟"
- "لأكون ادق انها اشبه بمصيدة الفئران، تقتل"
اه.. لهذا كان لوان يرتعد بشكل اكبر من المعتاد عندما تقوم بذكره...
دفع الباب بمرفقه و يفتح الانوار و يتجه نحو باب ما بالخلف يؤدي للمخزن حيث الاريكة المعتادة و ينزلها برفق عليها.
- "تريدين الاستحمام؟"
- "نعم، نستحم معًا؟"
- "و من سيجلب ملابس جديدة و يجمع الملابس المبتلة للغسيل؟"
- "...حسنًا حسنًا ساستحم وحدي.. لكن العرض مازال جار~"
امسك بها من كتفيها دافعًا اياها داخل الحمام.
- "نعم نعم هيا استحمي بماء دافئ لكي لا تمرضي"
- "وه تم رفضي.."
- "😿"
- "..اذهب و افعل ما كنت تقوله؟"
انهى كل منهم تغيير كل شيء و صعدا للسطح.
- "سيريوس يكاد يغيب مجددًا.."
قالت مشيرة للسماء نحو اسطع نجم فيها.
- "نعم.. للاسف لا يمكننا رؤية ايكاروس بالعين المجردة انه بعيد"
- "لا بأس ربما نراه لاحقًا.."
- "تريدين البعض؟"
ممسكًا بزجاجة ما خاصة لتهز رأسها بنعم، ليسكب لكل منها كأس.
- "ستشرب معي؟"
- "يبدو ذلك.."
- "اذن انت رفيقي في الشرب؟ عليك ان تصمد للكأس الثالث على الاقل"
- "فقط هذه المرة ساحاول الصمود للرابع.."
- "مستحيل.."
- "اوه؟ تحدي؟"
- "لما لا"
رفعت عينيها للسماء خلفه، حيث يلمع نجمه.
- "انه الوقت بالفعل.."
ابتسمت لتقرب كأسها و تتصادم كؤوسهم.
- "يوم ميلاد سعيد عزيزي سيريوس.."
- "....."
- "احبك عزيزي.."
- "انا اكثر عزيزتي.."
ليرفع كلاهما كوبه و يشربه بنفس الوقت..
- "وه.. مهما شربت منه انه حقًا مشروب رائع.."
- "قمت بازالته من القائمة"
- "لماا؟؟"
- "ليكون خاص بك و حسب، مشروبك المفضل"
- "انت حقًا يمكنك ان تكون رومانسي للغاية احيانًا.."
- "فعلًا؟"
- "همم.."كأس، كأسين، كانت تملئ الكأس الثالث له ليمسك بيدها فجأة.
- "عزيزي؟.."
ليشابك يديهما و يقترب اكثر منها بوجهه شارد..
- "تبًا هل ثملت بالفعل؟ لم تشرب سوى كأسين.."
اقترب اكثر ليدفعها على الطاولة و يصعد فوقها.
- "ه-هي عزيزي.. الا تسمع-"
يبدو انه انشئ هواية جديدة له باسكاتها بقبلاته؟
واحدة تلوى الاخرى لم تستطع ايقافه، كانت مرتبكة مما اذا كان عليها ايقافه ام الاكمال معه..
- "سوشكي.."
- "همم.."
- "انت ثمل.."
- "همممم.."
و كأنه سيكون بوعيه و يفهمها.. كل ما كان يفعله هو تثبيتها بشكل اقوى كل مرة تحته و تقبيلها..
في النهاية هي الاخرى بدأت بالاستسلام و الانصياع له، لكنه فجأة ارخى رأسه على كتفها و نام.
- "..نمت؟"
تنهدت بقلة حيلة رافعة رأسه برفق لتنقله للاسفل للاريكة و ترخي رأسه في حضنها.
- "فزت بالتحدي ايها الاحمق.."
مدت يدها نحو رأسها لتلعب بشعره بهدوء و يدها الاخرى تمسح على ظهره.
- "نوم هنيئ عزيزي.."
قبلت جبهته بلطف و احتضنته بقوة، مقتربة من اذنه هامسة.
- "يوم ميلاد سعيد، عزيزي سوشكي.. احبك.."________________
23.03.08♡︎
أنت تقرأ
إلى جانب المحيط | Along With The Ocean
Mystery / Thriller"ادار ظهره لها مواجهًا امواج المسطح المائي امامه، جالسًا على حبيبات الرمل و الصمت يفرض سيطرته على المكان، لذا فقد همست لنفسها بشرود 'كالمُحيط..' لا دليل لما تحدق به في داخل جوف كيانه، لكنها تشعر.." • نثر اتخذ شكل رواية بيأس املًا بلقاء تلك العيون ا...