مُقَدِّمة

2K 66 3
                                    

كلما مَرَّت بوجهي نسمةُ هواء رائقة تُلامِسه بودٍّ أقول:"كم هي لطيفة"، وحينما أتعرف على أحدهم وأرى فيه دماثة الأخلاق وعذوبة الحديث أقول:" يا له من شخص لطيف".

هكذا وضع الله محبة تلك الصفة بشكلٍ خاص في قلبي حتي باتت تطفو علي لساني كلما شعرت بطمأنينةٍ تسكن جسدي، ولم أنتبه يومًا على الإطلاق إلى علاقة تلك الصفة الحسنة الغالبة لديَّ على سائر الصفات باسم الله "اللطيف" كامل الصفات، حتى حدث وتنبهت ذات يومٍ لذلك حينما كنت أصفُ حيَّا سكنيَّا هادئًا لم ازره من قبل، وفي ذات اللحظة وأنا أصفه باللطيف علا صوت مذياع من أحد المحلات على الآية الكريمة:
(الله لَطِيفٌ بِعِبـَادِهِ) [الشورى: ١٩]

فتجمد الدم في عروقي خجلاً وخشية، وشعرت بالذنب وتأنيب الضمير لاستخدامي المتكرر لاسم من أسماء الله الحسنى في وصف كل ما هَبَّ ودَبّ.

عدت يومها إلى المنزل مشغولاً متلهفاً على الانفراد بنفسي كي أجلس معها كما اعتدت لنتناقش في كلِّ أمرٍ شائك أو مُحَيِّر ،فجلست أتأمل الاسم، وانتبهت أولاً للألف واللام اللذين يحولان كل نكرةٍ إلى معرفة، فحمدته سبحانه الذي وحده له كامل المعرفة على عدم استخدامي يومًا حَرْفَيّ التعريف قبل وصف شيء بصفة اللطف، ثم بحثت عن معنى اسم اللطيف فوجدته في اللغه من صيغ المبالغة التي تُستخدم لإثبات بلوغ شيء في شدته إلى حدٍّ بعيدٍ لا تدركه العقول، فكان الله اللطيف كامل الصفات هو كامل اللطف؛ الذي يعلم دقائق الأمور و خفاياها، وما في الضمائر والصدور، والذي يحسن إلى عباده ويلطف بهم من حيث لا يحتسبون، أو كما قال ابن القيم عن اسم "اللطيف":
وهــو اللطيـف بعبـده ولعبــده  *  واللطـف في أوصــافه نوعــانِ
إدراك أســرار الأمــور بخــُبره  *  واللـطف عند مواقـع الإحـسانِ
فيــــُريك عزتــه ويُبــدي لطــفه  *  و العبد في الغفـلات عن ذا الشانِ

                                *****

إن ربـي لـطـيـفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن