قال لي أحدهم ذات مرة رغم أنه مجتهد وله سجل جميل من الدرجات العُليا.. إنه يخشى اختبار الأسبوع المقبل وإنه يخشى أن يواجه صعوبات في الاختبار وإن هذا الأمر يؤرقه بشدة وقد لا ينام ليلة الاختبار.
قلت له:
يا صديقي لماذا تتوقع البلاء قبل وقوعه؟ لماذا تتوقع المشكلات قبل ان تقع؟ رُبما يُلغى الاختبار.. رُبما تذهب وتحصل مشكلة ولا تختبر.. رُبما تختبر وتُجيب بشكل ممتاز!
اعمل واجتهد واترك الأمر لله ولا تتوقع السيء ما دامتَ فعلتَ ما بوسعك.
ألم يوفقك الله فيما مضى؟
إذًا لماذا تخاف القادم؟ يا صديقي اطمئن.
لا تتوقع المشكلات أبدًا.. وظن بالله دائمًا حسن الظن.. فأنت حين تتوقع المُصيبة تنسى أن لُطف الله ينزل معها.. اطمئن.
"أكثر ما يُخاف لا يكون"
ومعناه أن كثيرًازمما يتخوفه الناس لا يقع!
فلماذا نتوقع الشر قبل وقوعه وهو قد لا يقع أصلًا!
قال أحدهم:
وقلت لقلبي إن نزا بك نزوة من الهم افرح، أكثر الروعِ باطله
حتى وإن جاءك حدث أو سمعت بمصيبة.. فتمهل ولا تحزن.. فإن كثيرًا من الأخبار والتوقعات لا صحة لها.. وفوض أمرك لله فهو قادر على كل شيء.
وردد دائمًا:
(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[غافر: ٤٤]فإن الله قال بعدها:
(فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِ مَا مَكَرُوا۟)[غافر: ٤٥]
هذا الدعاء النبوي مُطمئن:"يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"
حين تقوله من أعماقك مُستشعرًا تفويض أمورك لله بصغيرها وكبيرها، فتأكد أن الطمأنينة ستغمر قلبك.
صـادق الـوعـد
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) [مريم: ٥٤]عندما نتأمل هذه الآية سيتبادر إلى أذهاننا سؤال.. لماذا إسماعيل عليه السلام بذاته هو الذي قال الله عنه (صادق الوعد).. لا شك أن كل الرسل صادقو الوعد.
أن تصدق الوعد.. أي تعطي أحدهم شيئًا أو تلتزم بموعد أو كلمة، لكن "صادق الوعد" هذه الصفة ليست في الجميع.. فكلنا قد يصدق الوعد في أمر يملكه.. لكن إسماعيل عليه السلام صدق الوعد في أمر يتعلق بنفسه وأمر رآه غيره. فلو أن إسماعيل عليه السلام هو من رأى أن أباه يذبحه.. كان الأمر سيكون سهلًا، لكنّ أباه هو من رأى الرؤيا.. والرؤيا لا يثبت بها حكم إلا عند الأنبياء، فكان رده
(قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: ١٠٢]وهذا هو الوعد..
(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات: ١٠٣]لم يحرك رقبته.. بل وفّى بالوعد.
لذلك كان إسماعيل صادق الوعد.. وبرزت هذه الصفة في إسماعيل عليه السلام أكثر من غيره، واللهﷻ إذا مدح فإنه يختار من الصفات أعلاها شرفًا..
فقد قال عن نوح قال:
(إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: ٣]وقال عن أيوب:
(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص: ٤٤].وقال عن يحيى:
(وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ) [مريم: ١٤].وقال عن محمدﷺ:
(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: ٤].فلما رأى الله ﷻ التسليم من الابن إسماعيل عليه السلام وتسليم أبيه إبراهيم.. قال:
(وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ◆قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّءْيَآ)[الصافات: ١٠٤ ـ ١٠٥]أراد الله سبحانه اختبار التسليم وإقبالهما على الفعل.. ولم يُرِد الفعل.
ولذلك فدى الذبيح.. ورزق إبراهيم بإسحاق
(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ) [الأنعام: ٨٤]
إن الإنسان إذا استسلم لقضاء الله وقدره فإن الله يرفع القدر أو يخففه، لكن الذي يطيل أمد البلاء على الناس أنهم لا يرضون به.
لكن الذي يرضى بالقدر.. يرفعه الله عنه.. أو يبين للمقدور عليه خير هذا القدر.
ولذلك فلابد للإنسان أن يحترم أقدار ﷲ.
وهذا يعلمنّا أن كل ما ينزل علينا من قضاء ﷲ.. لا رفع لها إلا بالرضا.
"ولا سبيل للرضا سوى أن تُدرِك أن الله لا يقدر لك إلا خيرًا، وأن ربي لطيف بك أكثر من نفسك.. اطمئن".
(إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ) [يوسف: ١٠٠]
في كل بلاء لطف، وفي كل بلاء نعمة.
وفي ذلك يقول ابن عطاء الله السكندري في حِكَمه:
من ظنَّ انفكاك لطفه عن قدره؛ قذلك لقصور نظره.(إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ) [يوسف: ١٠٠]
يقول ابن القيم رحمه الله:
واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية.
أنت تقرأ
إن ربـي لـطـيـف
Espiritualلـطـف الله يحيطنا دائماً دون أن ندرك فحتى لحظتك هذه ... لـم يخطئك فيها لطف الله