هاشم الشاذلي

426 28 1
                                    

حفلة اليوم أكثر فخامة و روعة عن أي حفلة أخرى أقاموها بل الأفضل على الأطلاق كعادة آل "الشاذلي " يعشقون التفاخر و التباهى حتى في المصائب ، كالعادة عندما تدخل يحملق بها الجميع بإنبهار ثمَ يحاولون الأختفاء من أمامها كالفرأن فكلٌ يعلم ما تعلمه عنه ،ألقت نظره سريعة على الحضور لتجده واقفاً يحتسى شراباً بهدوء يلمع سلسلاله في رقبته فيضيف له جاذبية و وسامة غير معقولة بالمرة بل أظن أنه من أضاف للسلسال كل ذلك، كان ينظر لها بتحد هو يعلم بالتأكيد أنها ستبحث عنه ، رفع كأسه محيياً أياها بنظرة هازئةً فأستمرت بالنظر داخل عيناه مباشرة بقوة ،عقد حاجبيه بغرابة هو يشعر أنه رأها من قبل و تلك ليست المرة الأولى التى يشعر بها بهذا الأحساس ،أندمجت بين الحضور لتختفي عن أنظاره قليلاً ،بحث عنها ثانية ليجدها واقفة تحتسى نبيذ و تراقب ما يحدث بأعين صائدة ، وقف بجانبها ناظراً أمامه و أرتشف من كأسه بهدوء قائلاً بسخرية متوارية خلف بروده: كيف حالكِ منقذتى ؟!
رمقته بطرف عيناها لتجيب بعدها بغرور و برود أيضاً: في أحسن أحوالى .
ضحك ضحكةً ساخرةً قصيرة: بالطبع ستكونِ وقد حققتى ما كنتِ تسعى اليه!
وقفت قبالته لتقترب منه فأصبح لا يفصلهما الا مسافة قليلة لتهمس في أذنه بفحيح: أظننى لم أفعل بعد .
داب لثوانٍ لم يشعر بذلك الأحساس من قبل بقرب أي أمرأة وهو زير النساء لم تؤثر به أمرأة أبداً بتلك الطريقة بل وأيضاً بفعل واحداً منها ،أفاق من تخديرها وقد بادل الأدوار ليقول هو ببرود: أتمنى الا تندمى قطتى.
غرزت ضفرها الطويل تحت ذنة لتقول برفق وتهديد:أحذر فمن تراه قطاً قد يصيبك بالجنون عزيزى .
قهقه بسخرية:أَنتظر لا تتأخرِ في حركاتك .
أبتسمت بغرور: فقط شاهد و تعلم ، أعدك أنك لن تنتظر كثيراً .
أرتشفت جرعة من نبيذها لتلقى ببقيته على الأرض ليصبح وكأنه دماء قد سُكبت ،بينما هو يطالع ما تفعله بهدوء قاتل واضعاً يديه في جيب بنطاله ،رحلت تطرق الأرض بحذائها و رحل هو للأتجاه المقابل لها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقف الجميع عن فعل كل شئ عندما نزل الدرجات بهدوء و أناقة بعصاه الألماسية وقف على أخر درجة من الدرجات قائلاً بلباقة وترحيب و أبتسامة أنيقة تزين وجهه وكأنه يرسمها : أهلاً بكم .. أغلبكم يعلم ما حدث ، أما الأخرون فلا ، قد جمعتكم اليوم للأحتفال بحفيدى الأول ، فقد نصبته اليوم في منصبى ،المالك الأول لمجموعة "الشاذلي " .
صدم الجميع لهذا القرار ، كانوا يظنون أنهم اليوم يحضرون لكى يبرر "هاشم الشاذلي " ما حدث مع حفيدة الأول"قاصي" في قضية القتل ولكنه فاجعهم بذلك الخبر ، حتى "قاصي" نفسه لم يتوقع خبراً كهذا ولكنه لم يبد أي علامات أو رد فعل أبداً محافظاً على هدوءة و قوته..
وقع فك "ماجد الشاذلي " أرضاً ،ماذا ؟!!!، توقع أنه قد يصل هو في يوم من الأيام الى هذا المنصب ليس أبنة ،كيف لأبيه أن يفعل هذا ، هو أحق بذلك اللقب من أبنه، كان واضحاً عليه الغضب و الحقد الشديد ولكنه لا يقدر على الحديث الأن ولكنه لن يصمت أبداً ...
أما "كرم" فقد سعد لهذا القرار لأجل أبن عمه ولكنه أيضاً طفي عليه الحزن ،ليس لأنه أراد هذا المنصب لنفسه بل لأن هذا المنصب سيزيد سواد قلبه ،كم تمنى ل"قاصي" أن يعيش حياة طبيعية ولكن من الواضح أن هذا من المستحيلات ...
ألتوى فمها بإبتسامة غريبة وهى تشاهد ما يحدث بدقة شديدة ، "قاصي الشاذلي " الأن أصبح رب عائلة "الشاذلي " ..
تحدث "هاشم" مرة أخرى قائلاً بهدوء مُبتسم: ماذا بكم ؟!
أفاق الجميع من شروده ليصفقوا بحرارة لذلك الخبر فأبتسم "هاشم" ثم نزل الدرجات بجانبه "قاصي" ومن الأتجاه الأخر "ماجد" و خلفه"كرم" وكأنهم يحموه تحدث "قاصي" بهدوء :لماذا فعلت؟!
أستمر"هاشم"بتوزيع أبتساماته قائلاً: هذا ليس المكان المناسب لمناقشة هذا .
نظر له "قاصي" ببرود ولكنه داخله يشتعل ف فجده قد وضعه في أكثر مكان لم يكن يتمناه أبداً ولكنه كان مكانه وهو يعلم بذلك منذ البداية فلا أحد مؤهل أن يكون "رب عائلة الشاذلي  "غيره .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد متصف الليل بل و قرب الفجر أيضاً، بدأ الحضور بالرحيل بعدما أنتها الحفل أخيراً، كان واقفاً مع "كرم" يتحدث معه بخصوص ذلك الموضوع قائلاً بهدوء: لم أكن أعلم بما سيفعله هنا اليوم .
أومئ "كرم" له مؤكداً حديثة : أعلم ذلك "قاصي" ولكن لا تقبل .. أرجوك لا تفعل !
تجرع من كأسه بهدوء ثم قال بنبرة مُستخفه: لماذا ؟!!، هل ملعونة !
طالعه بنظرات صادقة و أخوة حقيقة:نعم"قاصي" ملعونة .. فمن يحكم تلك العائلة يصبح بلا قلب ،بلا حياة، بلا روح، وأنا لا أريدك هكذا أخى ، لا تفعل ذلك بنفسك أرجوك ، أعلم أن الأمر صعب بالنسبة اليك فأنت دائماً تتحمل كل المسئولية بمفردك ولا تتهرب منها ولكن هذه المرة مختلفة كلياً ،هذه هى نهاية ما تبقى منك أخى ..
قطب جبينه بقوة ثم ألتفت فجاءة ليركض بسرعة تجاه القصر عبر الحديقة، صُدم "كرم" مما فعله ولكنه لحقه بسرعة دون أي أسألة ..
نظر اليه بإستغراب حين رآه ينظر الى القصر بقوة فألتفت اليه ليجد النار مشتعلة في غرفته .. في غرفة "قاصي" ، أستدرك الأمر أخيراً ليجد عمه و جده يقفان يطالعان ما يحدث برعب جلى على ملامحهما و هما يحاولان الأتصال بالنجدة ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في البداية كانت النيران تلتهم غرفته هو أولاً ثم أشتعلت في غرفة الجد ومن ثم في غرفة "ماجد" ، الجميع يركضون بلهفة يحاولون أنقاذ ما يمكن أنقاذه ،من يجلب ماء ومن يحاول الأتصال بالنجده ومن يحاول تشغيل نظام الحرائق بالقصر أما هو !...
وقف يطالع ذلك اللهيب و هو يلتهم القصر بلا ملامح ، مقلتيه السوداء تلمع فيهما ألسنة اللهيب وكأنه يخرج من عيناه وليس مجرد أنعكاس، لا يفعل أي شئ فقط يشاهد ما يحدث ..
عمره بأكمله يحترق أمام عيناه ، بيت طفولته وشبابه، ذلك القصر الذى شهد أوقات سعادته القليلة .. ضحكاته التى تعد على الأصابع، أمه... أمه وذكرياتهما سوياً تحترق الأن أمام عيناه، قصر أعدامه يحترق ، تلك اللعنة التى لا تُزال تحترق الأن ...
ينتظر رؤيته رمادً ، أصبح الدخان الأسود يحيط الجميع و يخنقهم بلا رحمة وكأنه الموت الأسود ، وسط تلك المآساة والسواد الذى يأكل ما حوله ظهرت بفستانها الأحمر وكأنها شيطانة من شياطين جهنم رأي اللهيب يرتسم في مقلتيها جاعلاً أيها أكثر قوة و بطشاً ، ألتوت شفتيها بإبتسامة شامتةً شيطانية لتقترب منه برفق هامسة بفحيح في أذنيه: هذه فقط البداية ... أستعد.
رحلت وكأنها لم تأتِ لينظر هو الى القصر الذى أصبح من المستحيلات السيطرة على أحتراقه، وكأن القصر بداخلة قوة تجذب اللهب ،وكأن كل ذلك العذاب الذى كان بداخله يريد الأحتراق وأنهاء حياته ، فحتى العذاب هنا مُعذب ...
واقفاً بصلابة كالجبل واضعاً كفيه في جيب بنطاله يطالع ما يحدث بلا ملامح ، ينعكس اللهيب في عيناه بصورة مرعبةً ،يحاوطه الدخان الأسود من كل مكان، يرى عمره يحترق أمام عيناه ، رأي الجميع يركض بلهفة الى الخارج لأنقاذ أنفسهم ليبقى وحيداً بين تلك الفوضى نيران تلتهم كل شئ بلا تشبع و دخان يخنق حتى النار...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصبح القصر رماداً تذروه الرياح بينما هو لم يتحرك ساكناً في مكانه ، أنطفت النيران بعدما أنهت وجبتها الدسمة مع شمس النهار التى أختفت وسط ذلك الدخان الأسود الكثيف ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنتشر الخبر كالنار في الهشيم ،كل الصحف و المجالات و المحطات الأذاعية والتليفزيونية تُذيع الخبر والجميع في صدمة فكيف لهذا أن يحدث لقصر مثل هذا "قصر عائلة الشاذلي " ...
تحدث المُذيع قائلاً برسمية : و أستكمالاً لذلك الخبر المُحزن بل و المُصدم أيضاً ، لم يستطع كل سيارات المطافي هذه أن تخمد الحريق الهائل الذى حرق قصر عائلة الشاذلي  ، شئ غريب أن يحدث هذا هناك ، أهو أمر مدبر ! أهو بفعل فاعل ! أكان الفاعل يقصد عائلة الشاذلي  أم رجال الأعمال اللذين كانوا هاك في تلك الليلة ولكن و لحسن الحظ قد رحلوا قبل أندلاع الحريق بدقائق!، أم هى مجرد حادثة عادية؟! ، لا نعلم ولكن الأيام ستظهر الحقيقة وبالتأكيد نتمنى للمصابين الشفاء العاجل و ندعو الله أن يهون عليهم مصيبيتهم .
كانت تطالع الشاشة أمامها بأبتسامة مغرورة ساخرة ، تباً لتلك العائلة و شهرتها الواسعة ، أفاقت من حديثها لنفسها على صوت رنين الهاتف فنظرت لتجد أسمه يسطع أمامها ، أمسكت الهاتف بين أصابعها ذات طلاء الأظافر الأحمر الجرئ ثم تفحصت قليلاً الشاشة ، أجابت بأبتسامتها الساخرة الشامته: كُنت أستمع الى الأخبار الأن ولكن سمعت أخبار لا تسر ، أأنتم بخير ؟!
تقسم أنها تشعر بغضبه و عيناه اللتان أحمرت من الغضب عبر الهاتف فأبتسمت بسخرية ليجيبها هو قائلاً بنبرته الباردة كالعادة : أريد أن أراكى و الأن .
ضحكت بسخرية وأستفزاز : أوتريدنى أن آتى اليك لأنك أردت ذلك !!
-أراك بعد نصف ساعة في ....
أنه جملته و أغلق الخط بينما نظرت هى أمامها تفكر بهدوء ثم نهضت عن فراشها...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علم أنها أتت دون حتى أن ينظر ،كفي صوت حذائها المغرور يطرب الأرض كمعزوفه متناغمه ولكن معزوفة حرب ،أرتشف القليل من قهوته حتى قطعت طريق عيناه لتجلس أمامه دون أي تردد ، طلبت لنفسها قدح من القهوة منزوعة السكر ، بعد فترة جاء النادل و أنزل القهوة ورحل، بدأت بأحتساء قهوتها والصمت يشاهدهما بأهتمام، قطع الصمت قائلاً ببروده الرهيب: لماذا أتيتِ؟!
نظرت مباشرة بعيناه وبقوة لتقول بغرور ساخر: فضول .
ملس على طرف ذقنة الحليق بأبهامه ليقترب قليلاً من الطاولة بينهما قائلاً وقد أصبحت نظراته غامضة قاتمة : ألا تعلمين أن الفضول قاتل !
لم تهتز لها شعرة وأرتشفت من قدحها لتنزله بعدها و تقول بغرور: أعلم أنه لن يحدث ، على أية حال أنت أذكى من أن تفعل ذلك ،فلكل شئ عواقبة .
-لماذا فعلتِ؟!
-يبدو انني أصبتك في مقتل!
قهقة ساخراً بصوت عالى رجولى لتتغير بعدها ملامحه لهدوء تام قائلاً بأعين قاتمة :أقر لكِ عزيزتى أن لا مقتل لى.
نهضت عن كرسيها لتتحرك بأنوثتها تجاهه وتميل قليلاً لتصبح في مواجهة وجهه تماماً :لنرى ذلك.
أنهت جملتها و أعتدلت لترحل من المكان بينما أجاب هو بنظرة شيطانية: من الأفضل لكِ الا تلعبِ بالنار.
أستدارت لتنظر داخل عيناه بغرور :أنها حرفتى عزيزى.
أنهت جملتها و رحلت من المكان بينما حاول هو تهدأت نفسه وهو يحتسى من قهوته ولكنه لم يفلح ليلقى بالقدح على الأرض فيقع متهشماً الى قطع صغيرة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حل الفجر ...
الجميع نيام كالموتى ،صمت رهيب الا من صوت البوم الليلى القابض ، هدوء رهيب قاتل حد الجحيم حتى أن رميت شئ على الأرض ولو عود ثقاب ستسمع صوته رغم صوت الهواء ...
صرخة عالية رجت أنحاء القصر بل والمجمع السكنى كله قاطعة ذلك الصمت برعب، بلحظات كان الحرس يركض بالأعلى والأنوار كلها أضيئت وأصبح الليل نهار بلحظات ليس الا ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل في صدمة وكأنهم متجمدين في الأرض لا أحد يقدر على الحديث .. وأي حديث يقولوه ، فالموقف لا يحتمل أي شئ بل لا يُحتمل أيضاً..
أرجل آدمية طائرة في الهواء ولكن .. أبتعد قليلاً لترى الصورة واضحة ، رجل مشنوق في سقف الغرفة بملابسه الأنيقة الرائعة و عصاه مربوطة بيده ولكن مهلاً ..
هذا ليس بأي رجل .. هذا "هاشم الشاذلي " ...

أنوبيس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن