الفصل 03

17 28 31
                                    

                 بعد مرور سبعة سنوات

    الفتـى الآن علـى مشـارف الثانيـة عشـرة مـن عمـره، لقـد كبـر و ورِثَ ملامـح والـده تمامـا... طفـل ذكـي بِسُـمرَةٍ خفيفـة علـى بشـرته، شـعره أسـود قاتم وعيون عسـلية اللون مائلة للسـواد بملامح عربية أصيلـة، يمكـن تمييـزه بسـهولة عـن غيـره وهـو ككل أقرانهِ يريـد تكويـن صداقـات لكـن أنّـى لـه ذلـك فـي حضـور غريمـه الـذي حـذر الجميـع مـن مغبـة مصادقـة «سـامي» باعتبـاره طفـلا غريـب الأطـوار حسـب اعتقـاده.

     وغريمه هو «وليد»، ذلك الطفل البدين والكبير، والذي أعاد أكثـر مـن سـنة فـي مشـواره الدراسـي القصيـر، وفـوق هـذا لديـه عصابـة أطفـال مكونـة مـن عـدة محاربيـن صغـار، بينمـا «سـامي» وحيـد ولا يملـك صديقـا واحـدا، منعـزل عـن بقيـة الأطفـال ومسـتواه الدراسـي متدني جدا، و هو شارد الذهن دائما، وعنده الكثير من الأسئلة التي لا تغـادر مخيلتـه الصغيـرة، ... « متـى سـيتحرر الغـول ؟ متـى سـيجوع الوحش ؟ هل ستنسى العمة «كاميليا» إطعامه فيجوع ويهجم عليه ؟ ومـاذا عـن ذلـك المسـخ الـذي شـاهده ذات مـرة فـي صغـره ؟ »

     فـي هـذه الأثنـاء يتقـدم «وليـد» مـن خلـف «سـامي» دون أن ينتبـه لـه، يدفعـه بقـوة فيسـقط أرضـا ويلتـف حولـه الكثيـر مـن الأطفـال وسـط ضحـكات وقهقهـات عاليـة.

«وليـد» قائـلا « مرحبـا أيها الكائن الغريب... هل شاهدت وحوشا أخرى ؟ ... الغول الذي أخبرتنا عنـه موجـود فـي رأسـك فقـط » يـرد «سـامي» بصـوت خافـت بعـد أن طأطـأ رأسـه « الوحـوش موجـودة بالفعـل ... لقـد شـاهدت أحدهـا بـأم عينـي، وأسـمع أصواتهـم دائمـا » ... هنـا يتدخـل العـم «أحمـد» حـارس المدرسة ويبعد الأطفال عن «سامي» ثم يساعده في النهوض ويحمل عنـه محفظتـه، بعدهـا ينظـر مباشـرة فـي عينيـه قائـلا « لا يجـب أن تسـمح لأحـد بالسـخرية منـك يـا ولـدي، عليـك أن تكـون قويـا، .... هـذه الحيـاة أقسـى وأمَـرُّ ممـا تعتقـد، وعليـك أن تسـتعد لهـا مـن الآن » يـرد الفتـى « نعـم، شـكرا يـا عمـي «أحمـد» »

     فـي هـذه الأثنـاء يـدق الجرس فيتجه جميع الأطفال بمن فيهـم «سامي» إلـى حجرات الأقسـام.

     اليوم هو يوم الإثنين ، والذي يفتتح دائما بدرس العلوم الطبيعية ، والمعلمة هي الآنسة «سعاد »... آنسـة فـي بدايـة الأربعينيـات، قصيـرة القامـة، ضعيفـة البنيـة وتحـب ارتـداء الأحذيـة ذات الكعـب العالـي ... تضـع نظـارة بإطـار وردي لـم يسـتطع إخفـاء الشـر الـذي يتطايـر مـن عينيهـا الصغيرتيـن مـع بـروز واضـح لعظـام وجنتيهـا، وفـم صغيـر وجـاف ... ولـم تُفَـوّت حصـة واحـدة إلا وعاقبـت تلميـذا أو أكثر لِتُهَـمٍ بسـيطة فـي نظرهـم ولا تغتفـر حسـب اعتقادهـا مثـل التشـويش، عـدم التركيـز، عـدم الفهـم، لبـاس غيـر لائـق، تسـريحة شـعر غيـر مناسـبة ... إلـخ ، وتسـتعمل لعقابهـم عصـا تحملها معها دائما، وبعد عقابهم تأمرهم بالوقوف إلى الحائط برجلٍ واحدةٍ وبيدين مرفوعتين للأعلى لغاية نهاية الحصة ... حتى إن أغلب التلاميذ ومن شدة خوفهم منها صاروا يحفظون مادتها عـن ظهـر قلـب بـدل فهمهـا! وذلـك اجتنابـا لمواجهتهـا أو إثـارة غضبهـا.

بداية الملحمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن