كان على بثينة ان تضع العدسات على عينيها ،ان تضع شعرا مستعارا،ان تكثر من المساحيق ،لاستقبال اهل احمد كان عليها ان لا تكون بثينة ،اي انسانة اخرى غير بثينة ،وكان عليها تحمل ذلك الوضع يوما كاملا ،اتفقت مع احمد على اقامة حفل صغير بمناسبة المولود الجديد ،تستقبل فيه المهنئين دفعة واحدة كي لا يكون عليها احتمال مجيئهم المفاجا ،ووافقها احمد ،رغم الحاح والدته على رؤيتها بعد الانجاب الا انه اعتذر متحججا بعدم قدرتها على استقبال الزوار ،وهكذا كان يوم التهنئة الكبير بعد شهر كامل من انجابها ،امتلات شقة احمد بالمهنئين ،كانت جالسة على اريكة والى جانبها وضع سرير نضال الصغير ،كان قد بدا يعتاد الحياة ويالف وجه والدته ووجه احمد ،بطريقة ما كان هو الاخر متذمرا من كثرة الناس ومن الضجيج ،و لم يكن مرتاحا ،من كثرة حملة وتقبيله ،كان نضال ناعما ولطيفا بوجه جميل لذا حظي باعجاب من الجميع ،كانت بثينة تراقب اهل احمد وهم يقبلون ابنها واحدا واحدا ،كان اعمامه وعماته فرحين بالمولود الجديد وفخورين به ،اما جدته فرغم سعادتها الا انها كانت تتذمر بطريقة محببة لعدم وجود شبه له باحمد ،كانت بثينة جالسة بهدوء تستقبل الوجوه البشوشة بابتسامة ،ولم تلحظ تلك المراة التى كانت تطيل التحديق بها الى ان قالت "عذرا اين اهلك انا لم ارى احدا منهم ؟" التفتت اليها بثينة حدقت في وجهها ،شعرت ان هذا الوجه مالوف وملامحه لم تكن غريبة عنها ،ردت "انا يتيمة وحيدة،لا اب لي ولا اقرباء لدي فقط احمد وابني " ،ردت المراة "عذرا عزيزتي ،تمنيت فقط التعرف على اهلك ،انا اسفة " لم ترد بثينة ،بينما وقفت المراة وسارت الى سرير نضال وحملته وقالت "تعرفين ان ابنك يشبه كثيرا ابني عند ولادته كانه هو "ردت بثينة "يشبه ابنك ؟"ردت المراة "اجل علي ،احمد ابن خالته"،فكرت بثينة انها لم ترى علي هذا من قبل ،قالت "انت خالة احمد "ردت المراة "انا خالته دليلة "،ابتسمت بثينة لها واكتفت بهذه الابتسامة ،لم تكن في نيتها اطالة الحديث مع هذه المراة الفضولية ،اعادت دليلة نضال الى سريره وقالت "علي في مكان ما في الصحراء انه لايتصل بنا ابدا ،تمنيت لو كان هنا وراى هذا الصغير انا واثقة انه سيحب فكرة ان يكون له ولد ايضا "عادت وجلست الى جانبها وتابعت "انه يرفض الزواج ،لا ادري ماذا ينتظر احمد الذي يصغره صار له ابن ،منال سترزق بولد قريبا ، ستمتلا اختي بالاحفاد اما انا فيا حسرتي "سالت بثينة "اعتقد ان لك بنات "ردت دليلة "اجل ثلاث متزوجات للان لم ترزق اي واحدة باولاد ،انظري "واشارت باصبعها الى واحدة ،كانت طويلة القامة هادئة الملامح ،تابعت دليلة "تلك ابنتي خديجة انها الوسطى تزوجت من عام ،الكبرى تزوجت من ثلاث سنين ،اما الصغرى فتزوجت من عامين "قالت بثينة "الم يزرن طبيبا "ردت دليلة "بلى فعلن يقول جميع الاطباء الذين زرنه انهن لا يعانين من مشاكل كل شيء طبيعي عندهن وكذلك ازواجهن "ردت بثينة بملل ظاهر من هذا الحديث "اذن لما القلق المسالة مسالة وقت فقط ،ان الحالة النفسية تؤثر في هذا الامر " وتنهدت وهي تتذكر حالتها وكيفية حملها عرفت ان ما تقوله لهذه المراة لا تصدقه هي ،ردت دليلة "انت محقة هذا ما قاله الاطباء "ردت بثينة "اذن عليهن الصبر ،وطرد القلق وعدم التفكير بتاتا في الامر انا واثقة ان فعلن ذلك ونسين فكرة الانجاب فانهن سيحملن "ردت دليلة بلهفة "تعتقدين ذلك ؟"كادت بثينة ترد ان هذا تعرفه عن تجربة شخصية لكنها لجمت لسانها وقالت بعد صمت "انا متاكدة ،اعتقد انك تثيرين مسالة الانجاب معهن كلما رايتهن اليس كذلك ؟" تنحنت دليلة وقالت "اجل انت محقة "تنهدت بثينة مشفقة على البنات الثلاث وقالت "لدي فكرة ممتازة ما رايك ان تعزفي انت وحماواتهن عن رؤيتهن لمدة شهرين ،انا واثقة انه على الاقل خلال هذه المدة باذن الله ستحمل احداهن "ردت دليلة "هل انت متاكدة ؟"،فكرت بثينة لا مجال من التملص من محادثها ،وقالت "انا متاكدة ان سبب عدم حمل بناتك هو التوتر والقلق الذي تسببينه انت وحمواتهن ،اعتقد انهن ايضا من نفس طينتك ،مثل هذه الامور يلزمها الروية والراحة وانتن لا تفعلن الا ما ينغص عليهن ايامهن ،حتى صارت مسالة الحمل عبءا كبيرا عليهن ،لعلهن يشعرن الان بالياس " دهشت دليلة من تحليل بثينة للامر وكانها كانت تعيش معهن ثلاثتهن ،فكرت انها ذكية جدا ،قالت وقد بدات تقتنع "حسن ساتفق مع حموات بناتي وسنرى "ابتسمت بثينة وقالت "حسن ان طال اكثر من شهرين فذلك افضل قد ياتينكن ثلاثتهن حوامل "ابتسمت دليلة وقد بعث فيها كلام بثينة املا كبيرا وقالت "حسن خمسة اشهر كاملة ما رايك ؟" ضحكت بثينة وقالت "كاملة ؟"ردت دليلة بجدية "كاملة "قالت بثينة "اتفقنا اذن "ردت دليلة " عزيزتي انت رائعة حقا ،اتمنى لو تلتقين بعلي ربما ستقنعينه بالزواج " ردت بثينة "لعله لم يجد المراة المناسبة هذا كل ما في الامر ،اتركيه وشانه وسياتيك يوما قائلا اريد الزواج "،كان في كلام بثينة ثقة كبيرة ،انعكست على دليلة ،فارتاحت على الاريكة وقالت "انت محقة هذا تماما ما يقوله لي عندما افاتحه بالموضوع "،فكرت بثينة بدليلة انها ابدا لا تتمنى ان تكون امها وحمدت الله انها ليست والدة احمد ،ان الحب في داخلها لاولادها فاق كل حدود وتدخلها الغير مبرر في حياتهم تعتقد حقا لها وتعتقده امرا مفروغا منه ،انها لا تفكر في تلك الضغوط التى تسببها والتى تنعكس بالسلب على اولادها ،نهضت دليلة وقالت "شكرا لك ،تقول اختي انك انسانة باردة وغير اجتماعية لاتهتم باحد غير نفسها ،لكني اعتقد انك مختلفة تماما "ردت بثينة "اهذا ما تعتقده ؟"قالت دليلة "انا اعتقد انك انسانة رائعة "ابتسمت بثينة وقالت "شكرا " رغم انها كانت في قراراة نفسها توافق راي والدة احمد ،نظرت الى دليلة وهي تتركها بابتسامة ،ثم عادت ونظرت الى نضال ،حملته من سريره وقالت له برفق "ايها الصغير لقد وسخت نفسك "ضحك نضال لوالدته وهي تحمله ،قالت "نضال عليك ان تعلمني بامر كهذا ،هل تعتقد اني ساعلمه فورا " لم تلاحظ احمد وهو ينظر اليها تحمل ابنها ولم تنتبه لنفسها وهي ترسم ابتسامة حلوة في وجهها ،ابتسامة لا تمنحها الا ام لابنها ،نادتها منال "امينة ،ما رايك ان اساعدك اريد ان اتعلم كيفية تغيير الحفاظ "ابتسمت بثينة وقالت "حسن لك ذلك" وتركت منال مع نضال وذهبت للمطبخ ،كانت الساعة تقترب من السادسة مساءا ،كان عليها اعداد الحليب لنضال ،تبعها احمد ووقف خلفها ،شعرت بثينة بوجوده فسالته "اليس يوما شاقا ؟" والتفتت اليه ،فرد عليها "عائلتي كبيرة ،حفل زفافنا اقتصر على والدي واخوتي ،اليوم خالتي وبناتها وعمتاي "ردت بثينة وهي تحمل زجاجة حليب نضال "ان خالتك تلك ،لا تقارن باحد "ضحك احمد وقال "انت محقة ،بناتها وعلي لا يشبهونها في شيء "ردت بثينة وهي تدفع بالزجاجة لاحمد "اشفق عليهم "رد احمد "ابدا انا لن اطعمه ،ماذا ستقول والدتي "ردت بثينة " لاتقلق لقد قالت علي الى الان كلاما يكفينا نحن الاثنين " سالها "ماذا تقصدين ؟"ردت بثينة "اسالها يوما " رد احمد "انا لست غبيا ،لما لا تريدين اطعامه؟" سالته "ماذا تقصد ؟" رد احمد "لقد بدات تتعلقين بنضال " لم ترد عليه كانت فقط تحدق فيه ،فتابع "سيصعب عليك فراقه وانت لا تريدين للامر ان يكون مؤلما "سالته "ماذا تقصد ؟" لاول مرة يصارحها احمد بما يجول في خاطره ،عندما اعطته الزجاجة انهار حلمه الصغير تكسرت صورة تلك الابتسامة الحلوة فكر انها عنيدة وباردة ،عاد واعترف لا انها تحاول ان تكون باردة لكنها ليست كذلك،تكلم احمد مجددا وقال "انت تصرين على قمع عاطفتك نحو ابنك ،مصرة على اتخاد الطريق الصعب الغير محمودة نهايته "ردت بثينة "اننا اتفقنا اليس كذلك الا تذكر انك كنت من اقترح الامر ،ان اتابع طريقي بعد الانجاب "رد احمد "انت تعلمين اني تمسكت بهذه الحجة لاقناعك بالزواج فقط " ردت بثينة "لقد مات الحب داخلي "رد احمد "هراء انت تحبين ابنك رايت ذلك، حتى وان استحال عليك الاعتراف ،صرت اعرف تماما الفرق بين الكره وادعائه ،وانت عليك ان تعرفي ان الحب موجود حتى وان صدقت انعدامه " ردت بثينة "صرت فيلسوفا احمد ،الحليب سيرد " رد احمد "انت من يطيل الامر ويصعبه " جذبت اليها زجاجة الحليب وهمت بمغادرة المطبخ عندما تكلم احمد "ارجوك لا تجعلي حياتنا معقدة مستحيلة ،لدينا ابن "ردت وهي تغادر "تعلم امرا ،مفهومنا للمستحيل مختلف " ،تركته يفكر في مقصدها واسرعت بزجاجة الحليب لنضال ،كانت منال تلاعبه ،فمدت لها الزجاجة وقالت "تابعي التمرن ' كان صوتها باردا كالثلج ،اخذت منال عنها الزجاجة وقالت "طبعا امينة احب هذا "،بينما كانت بثينة تصارع غضبا داخليا ،كانت تدعي الهدوء ولم يصعب عليها الامر ،وعادت وجلست على اريكة اخرى وتركت اريكتها السابقة لمنال التى جلست فيها تطعم نضال ،فكرت بثينة وهي تراقب نضال وهو يشرب الحليب عليها التحرك سريعا ........
أنت تقرأ
رواية قلب واحد لكاتبة مريم نجمة
Romanceدخلت بثينة تحمل اوراق مقالها لرئيس التحرير ،رفع السيد صالح راسه ببطا ،تنهد وهو يرى الاوراق التى تحملها بيدها ،قالت "صباح الخير "رد بدون ابتسامة "صباح الخير ماذا تحملين في يدك ؟" ،شعرت بثينة ان رده ليس مشجعا البتة ،قالت بدون ان تبتسم "اوراق المقال ال...