الفصل التاسع

236 8 0
                                    

الفصل التاسع

لم يرغب احمد بالعودة الى منزله ،لم يرغب في مواجهة ضعفه امام بثينة ،لم يرغب في القول "الى هنا وكفى " الكلمة الوحيدة التى اراد قولها لها ،ليس لانه اضعف من ان يقولها ،بل لانه اضعف من ان يتحمل تبعاتها ،كان يعلم ان بثينة سيكون ردها الوحيد "حسن كما تريد " ،ليس لانه يريد بل لانها تريد ،انه كل ما قد يفعله يصب في صالحها ،انها هي التى خسرت كل شيء ولم يعد لديها الان ما تخسره ،ليس لانها الحقيقة ، بل لانه هذا هو ما تؤمن به هي ،انها لا تعتبر ابنها محفزا لكي لا تخسر ،انها لا تمكله لكي تخسره ،هذا ما حاول دوما اثبات عكسه لنفسه قبل ان يثبته لها ،انه الخاسر في كل الاحوال ،بالم اعترف انها تقارن وجوده ووجود نضال بما فقدته لقد عرف انه الخاسر في هذه المقارنة ،بالم ركب سيارته،كان يقود ببطا ،محاولا تاخير المحتوم ،دوما كان احمد ضعيفا امام حبه ،امام بثينة ،ولولا هذا ما كان تزوجها ،لولا هذا الحب البائس ما تحمل زواجا شكليا باردا ،لولا حبه لها ما تمكن من العيش معها تحت سقف واحد دون لمسها ،انه الحب الذي جعله يتجاوز ما يرغب ويريد من اجل ما ترغب هي وتريد ،انه الحب الذي جعله لا يستطيع الابتعاد عن مصدر تعاسته ،انها بدل ان تكون مصدر كل سعادة كانت هي مصدر التعاسة ،لقد حكم على احمد بحب يائس وبتعاسة ابدية ،ورغم كل ذلك انه لا يريد فراقها ،قال لنفسه "هل يستحق كل هذا ؟ انه لا يستحق ،ابدا لا يستحق كل هذه المرارة ".
كان علي في شقته ينتظر رد الصحفية ،لم يستطع ابعاد عينيه عن الشاشة ،فكر من معرفته السطحية لها ،فهي ستعتقد ان صاحب هذه الرسالة يقصد من المناقشة عدم الاقتناع ،لقد اختار كلماته بحذر ،ان فيها محاولة خفية للانقاص من ما جاء في المقال ،كان متاكدا ان كبريائها سيجعلها في تردد ،امل ان يكون توقعه صائبا ،وان لا تتخذ جانب الحذر ،فهي الى الان تمسكت به كما يجب ،لذا استحال عليه ايجادها ،اغمض عينيه وهو يفكر هل حقا كان هذا سبب عدم العثور عليها ،ام ان السبب كان انه بحث في المكان الخطا ،مع ذلك فقد كانت ذكية الى الان ،تتحرك ببطا وحذر ،تمنى ان تستفزها الرسالة كما يجب ،لانها ستكون البداية لكليهما ،انتفض فجاة لقد نسي امه تماما ،وقف وهو يقول "هذه الفتاة ستفقدني رشدي يوما " ،اجرى اتصالا بمنزل خالته ،وابلغ والدته انه لا يستطيع العودة لايصالها ،طلب منها المبيت عند خالته الى الغد ،بعد تمرد وانزعاج ،وافقت على مضض فلم يكن لها في النهاية حل اخر ،كانت الساعة تدق دقتها السادسة مساءا ،بدا يشعر بشيء من الجوع ،تحرك الى المطبخ ليعد لنفسه ما ياكله ،كان بذلك ايضا يلهي نفسه عن الانتظار بلا فائدة والتسمر امام الحاسوب كشاب مراهق غبي ............
في غضون ذلك كانت بثينة تعد طعام العشاء لاحمد ،قررت ان تعد طعاما فاخرا ،انها للان لم تهتم باحمد كما يجب ،بطريقة ما ايقظت معاملة والدة احمد الجافة لها ،شعورا بتانيب الضمير ،فرغم كل ما بذله احمد من اجلها قابلت كل ذلك بعدم اكتراث وكان كل ما فعله احمد لها كان واجبا مفروضا عليه وتصرفه من المسلمات ،بعد ان انهت عملها اعدت الحليب لنضال ،الذي كان متحمسا على غير عادته ،كان يتحرك بفرح ويضحك كلما راها ،احست وهي تطعمه بضرورة الابتعاد ،ابنها الرضيع بدا يعرفها ويتعلق بها ،ولم يكن هذا تماما ما ترغب به ،عندما شبع وضعته في سريره ،كان احمد في تلك اللحظة يفتح باب الشقة ،ابتسمت وقالت "لقد عاد والدك اخيرا " نظرت الى الساعة كانت قد تجاوزت السابعة ،فكرت انه ليس من عادته التاخر لهذا الوقت ،اسرعت اليه وقالت باسمة "اهلا بعودتك ' ،كان احمد متشبعا من كل شيء لذا لم تجد تلك الابتسامة طريقا الى قلبه الممتلا ،فرد ببرود "اهلا " وتحرك لغرفة المعيشة والقى بجسده على الاريكة ،قالت وهي تراقبه "تبدو متعبا "،رد عليها "منذ مدة " ،كانت بثينة تعرف احمد جيدا ،ومن كانت تراه امامها لا يشبه احمد صديق طفولتها في شيء ،فسالته "هل كل شيء على ما يرام ؟ انت لست على عادتك " ،رد عليها "اليس لدي الحق في التذمر من حياتي ؟" ،بدات بثينة تقلق فقالت "ماذا تقصد ؟ "رد قائلا "لا شيء " ،كان بهذا ينهي الحوار معها وقد فهمت هي ذلك فقالت "طعام العشاء جاهز " رد بسخرية "حقا ؟كيف وجدت وقتا للطهو؟" فهمت بثينة ما يقصد فقالت "هل اخبرتك امك ؟" رد" لا.... لعلها لم تعتقد انها بحاجة لاخباري ،ربما لم تشك اني اجهل خروجك من المنزل " ردت بثينة "حسن انت تعلم اني بدات العمل ،لم اعتقد ان خروجي سيفاجؤك "رد عليها ببرود وهو ينظر اليها "امل عندما تغادرين منزلي نهائيا ان لا تعتقدي اني لن افاجا برحيلك "ردت "انك تريد الشجار " وقف وقال "هل تعتقدين اني ساكون سعيدا وانا اعلم انك في منزل والدتي بالصدفة، الم يخطر ببالك ان تتسائلي عن موقعي هنا في هذا المنزل البائس ؟" ردت "انك غاضب وانا لا اريد متابعة النقاش معك "وهمت بالمغادرة ،فامسك بيدها وقال "انت بالتاكيد لا تعتقدين اني ساقبل بكل ما تريدينه فقط لانك تريدين "، ردت عليه "اتركني احمد " رد عليها "انا رجل هل تدركين ذلك ؟الا يمكنك احترامي على الاقل انا زوجك ،انت تهينين كرامتي " ردت بغضب "تذكر انا لم اجبرك على الزواج مني انا لا اريد مواصلة حياتي على نمطك ،انا وانت نسير في طريقين مختلفين " بدا يهزها بعنف وقال "انت في منزلي الى الان اننا لازلنا نسير في ذات الطريق " قالت "انا ساترك طريقك قريبا ولا سلطة لك لمنعي " زاد غضب احمد وزاد عنفه ،خفق قلب بثينة بعنف وهي ترى وجه احمد الغاضب لوهلة رات وجه مغتصبها ،فجاة ودون ان تتحكم في نفسها ،بدات بضرب احمد على صدره بعنف وهي تقول "انا اكرهك ....انا ساقتلك " ابتعد احمد عن بثينة برعب وقال "ما بك ؟" عادت اليه ،كانت لا تزال ترى وجه المغتصب فزاد عنفها وزادت ضرباتها قوة ،دهش احمد وبدون ان يتروى او يفكر ضرب وجه بثينة بيده بعنف ،فسقطت ارضا ،كانت انفاس احمد تتسارع وهو ينظر الى بثينة نظرات حيرة وقلق ،التفتت بثينة لاحمد كان يلهث ،دهشت لماذا رات في وجه احمد وجه الرجل الاخر ،لم تعلم كيف الا ان احمد فجاة صار يذركها به ،نفس الوقفة نفس الغضب نفس العنف ،شيء ما في احمد يشبهه ،لكنها جمعت شتات نفسها ،و قالت "انه احمد مابك ؟" نهضت بهدوء وقالت وهي تنظر لاحمد "انا اسفة للحظة ......للحظة فقط اعتقدتك هو ....انا اسفة " تسمر احمد مكانه وقال "هو ...." وبرعب قال "من هو هذا الذي تقصدين ؟" لم ترد ،فقال "تبا انت لا تقصدينه اليس كذلك "، لم تجبه فقال لها "هذا ما وصلنا اليه بثينة للاسف لم اعتقد ابدا ،ابدا لم اعتقد " رغم كل ما حصل كان ما الم احمد اكثر ان بثينة وجدته يشبه الرجل الذي دمرها ،احمد الذي كان كل ما يريد هو اعادة بعث الحياة والرغبة في العيش لبثينة ،الذي اراد وكل ما اراده هو العيش مع بثينة حياة عادية وان يشكل معها عائلة نمودجية ،كان كل ما فعله وكل ما اراده لم يشفع له ،انها تشبهه باكثر رجل تكرهه ،بصمت تحرك ،اخذ مفاتيح سيارته وغادر المنزل ،لم تمنعه بثينة ولم تفكر حتى ،لقد تجاورت كل الحدود ، احمد لا يستحق كل هذا الالم ،عندما ارادت ان تمنحه القليل مما يستحقه تسببت له بالم اكبر ،تحركت الى المطبخ حيث كانت الاطباق جاهزة المقبلات الطبق الرئيسي والتحلية ،قالت بمرارة "لقد تاخرت ..." بالم اخذت بجمع الاطباق وهي تفكر انها هي التى لا تستحق احمد .....
طاف احمد بسيارته في المدينة ،وعندما تعب قاد سيارته الى منزل والدته ،انه المكان الوحيد الذي يمكن ان يعيد اليه سكينته ،انه بحاجة الى والدته الان اكثر من اي وقت مضى ،عندما فتحت له الباب ،دهشت قالت "احمد بني اهلا " ،احمد الذي كان تقريبا منهارا اسرع الى والدته وعانقها ،قطبت حاجبيها وهي تفكر "انها هي السبب " ادخلته الى المنزل ،جلس في غرفة المعيشة ،كانت حسينة تراقب ابنها بالم عندما جاءت دليلة قائلة "هل هو علي ؟" تسمرت امام منظر احمد المنهار ،اسرعت اليه قائلة "هل كل شيء بخير زوجتك ونضال هل اصابهما مكروه ؟" نظر احمد اليها وقال "هل ابدو كمن فقد عزيزا ؟" ردت حسينة وهي تمسد شعره بلطف "انك لا تبدو بخير هل حصل مكروه ؟" وقف وقال "ساخذ قسطا من الراحة "وصعد الى غرفته التى كانت له يوما قبل ان ينتقل الى شقته ،قالت حسينة بغضب "انت غبية جدا من الواضح ان تلك المراة السبب في ما اضابه انه منهار " ردت دليلة " لا اعتقد انها قامت بشيء سيء" ردت حسينة "سيطلقها وسترين " قالت هذا وسارت الى غرفتها ،بينما بقيت دليلة في غرفة المعيشة ،جلست على الاريكة في حيرة واخذت تفكر .............
عندما انهت كل اعمالها ،ونام نضال جلست الى الحاسوب ،وفتحت بريدها ،كانت تريد التاكد من ان رئيس التحرير في جريدة بلا حدود لم يراسلها ،عندما وجدت رسالة بكلمات مقتضبة ""سلام ..قرات المقال واريد المناقشة اذا سمحت "،اعادت قراءة الكلمات مرارا ،لم يترك اسما فقط ترك بريده الكتروني،فكرت مطولا بمقصوده من هو وماذا يقصد بالمناقشة ،ارادت ان لا ترد لكنها فكرت ماذا لو كان لديه ما يقوله ،ان لم يكن مقتنعا اليس عملها بالاساس هو توضيح الحقائق وفضح الفساد ،ماذا لو كانت هناك فئة من القراء لا تصدق كل ما تقدمه من بيانات ومعلومات ،فجاة وبحسها الصحفي الفضولي وجدت نفسها تخط في رسالة بضع كلمات جاء فيها "اي نوع من المناقشة تلك التى تقصدها ،ثم لطفا من انت ؟"اعادت قراءتها ثم اخيرا ارسلتها ،انتظرت لدقائق فالرسائل في البريد الالكتروني عادة لا تستغرق الا ثواني ،وان كان في الجهة الاخرى منتظرا فسيرد سريعا وكما توقعت جاءها الرد "ان كنت مستعدة للمناقشة فساخبرك باسمي " ،فكرت انه حذر وذكي كان هذا النوع من الاشخاص دوما يجذبها ،فردت "مستعدة تماما " ،فكر علي في الجهة المقابلة ماذا سيقول وقرر ان يدع الكذب جانبا ،بالصدق سيبدا معها وكان متفائلا فقال "اسمي علي ،اعتقد انه كاف في هذه المرحلة هل اسمك حقيقي؟"،فكرت علي لعله يستخدم اسما مستعارا لا باس هي في النهاية تستعمل واحد فقالت "امينة ،ولنكتف بهذا كبداية "رد عليها "حسن امينة ،اود مناقشتك عن مقالك بطريقة ايجابية واود مساعدتك ايضا " ،ردت بسرعة "اي مساعدة تقصد لا افهمك " رد علي "حسن ساوضح الامر وساكون صادقا ،عندما قرات مقالك فهمت انك صحفية متمردة تريد كشف الفساد ،عندما اطلعت على المعلومات وجدتها خطيرة ومهمة ،والمقال وان لم يوقف الفساد فسيكون وسيلة ضغط ويمكنا الاعتماد على الراي العام ،بصراحة اكثر انا ايضا اريد محاربة الفساد ،ووجدت ان طريقتك قد تكون جيدة انا كنت اعمل لدى هذا النظام ولدي الكثير من المعلومات ،لكن لاني معروف فلا يمكنني الظهور علنا والا فسيتم تصفيتي وتصفية عائلتي اذ ساكون هدفا سهلا ومباشرا لذا ارغب في العمل في الخفاء ،فكرت بتقديم المساعدة لك وفي نفس الوقت احقق رغبتي ،هل توافقين ؟ " ،انتفضت بثينة في مكانها ،هل هذا فخ ،لا ....لا احد يعرف عنها شيءا ،انتظرت وبدات تفكر ،عندما طال الوقت ولم ترد فهم علي انها تفكر بجدية ،ضرب المكتب وقال "تبا لحذرها الزائد " ،جاءتها رسالتها مقتضبة قالت فيها "دعني افكر وغدا سارد عليك " ،توقع علي هذا الرد ،كانت بهذا تنهي المحادثة اقفل الحاسوب ،وهو يفكر استلقى على سريره ،دارت في علقه فكرة لو كانت تشك فيه لرفضت الامر قطعا ولما احتاجت للتفكير ،لكن بما انها ارادت ان تفكر فهي فقط تريد اقناع جانبها الحذر بالمواقفة ،اغمض عينيه على فكرة "ستوافق بالتاكيد.."
اقفلت بثينة جهازها ،نظرت لساعة الحائط ،اقفلت الباب الخارجي بالمفتاح ،ثم سارت لغرفتها ،احمد بالتاكيد عند والدته وسيقضي الليلة هناك ،وبسرعة استسلمت للنوم .....................

رواية قلب واحد لكاتبة مريم نجمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن