الفصل الحادى عشر

243 8 1
                                    

الفصل الحادى عشر

لم تشرق على احمد شمس الصباح ،اتصل علي بالعائلة وابلغهم بالخبر ،لم تكن حالة علي جيدة ،لذا وقف جانبا ،قام اشقاء احمد بكل الاجراءات اللازمة ،كان بينهم كالتائه ،لم تكن وفاة احمد وحدها ما جعله باسوء حال ،كان بحاجة لشجاعة عظمى للعودة مع اخوة احمد بجثته الى المنزل ،كان بحاجة لدفعة قوية لم تكن رؤية نضال بالهينة انه بعد اليوم ليس ابن احمد انه ابنه هو ،كان الامر مؤلما اشد الالم ،ان يرى في ابنه لحظات اغتصاب بثينة ،عندما وقفت امه رات شحوبه الزائد كان تحمل نضال بيدها ،سالته "هل انت بخير ؟" لم تكن هي الاخرى بافضل حال كانت عيناها متورمتان من البكاء ،رد عليها بصوت باهت "انا بافضل حال "لم تصدقه ولم ترد تكرار السؤال ،نظر علي الى نضال وهو يكرر على نفسه انه ابنه ،ابنه هو ،كان نضال يضحك لعلي ،قالت دليلة "مسكين هذا الصغير لا احد تذكره انه معي منذ الامس ولم يسال عنه احد" ،فكر علي فرغم حالته النفسية المدمرة الا ان حالته الذهنية كانت على حالها متقدة ،فكر ان نضال سيتحول بعد الان الى عبء على عائلة احمد ،انهم يبتعدون عن كل مسؤولية فبعد رحيل والدته ووالده لم يتبقى له احد ،مع مفارقة انه محاط باعمام وعمات واولاد عم كثر الا انه وحيد ،وحيد تماما ،فكر علي انه ابنه انه مسؤوليته انه لن يدع ابنه لليتم ولديه والد ،رغم انه حتى اللحظة لم يتعدى كونه والدا بيولوجيا ،قال لامه "انه معك في مكانه الطبيعي " سالته "ماذا تقصد ؟"رد قائلا "عندما تنتهي ايام الحداد الثلاث سناخذه معنا "،ظهرت علامات الصدمة على وجهها وقالت "انه حفيد اختي صحيح اني متعلقة به لكن "قاطعها " ان احدا من عائلة احمد لن يرفض انهم لا يريدون الا التخلص من هذه المسؤولية وبضمير مرتاح ولن يكون هناك حل افضل من هذا " فكرت دليلة لعل صدمة وفاة احمد السبب في هذا الجنون ،ان اختها لن تترك ابن احمد انه ما تبقى لها من احمد قالت "قد يوافق اخوة احمد لكن اختي لن تقبل "رد علي "ستفعل لانه لا حل اخر لها "لم تفهم ابدا ما قاله علي وتركته فلم تعجبها حالته ولم ترد الاكثار من جداله ،فكر علي بثينة ايضا عليها ان تعلم ،لذا ترك المنزل وقصد شقته ،كان يامل ان يتمكن من محادثتها ،فور وصوله فتح الحاسوب وارسل رسالة قصيرة "مرحبا "لم يطل الامر وردت "اهلا "،كانت في الجهة الاخرى تنتظر اي معلومة لتؤكد شكوكها ،فجاءتها رسالة علي المجهول "اسف لكن لا استطيع ارسال الوثائق اليوم لقد تعرض قريبي احمد لحادث سير امس وتوفي " ردت بسرعة "احمد ؟"رد وقد جاءته الفرصة بدون اي اطالة فقد خاف ان تشك ان اخبرها مباشرة بوفاته ،لذا حاول جعل الامر يبدو كحديث عادي ،قال "كان شابا يافعا ،كان صحفيا شابا وترك خلفه رضيعا "قالت وقد وقعت في الفخ مباشرة "لعلي اعرفه ما اسمه الكامل " ،خفق قلبها وهي تقرا اسم احمد صديق طفولتها وزميلها وزوجها ،طال الامر ولم ترد علم علي انها تحت وطا الصدمة لذا لم يستعجلها ،ردت بعد مدة "اسفة ،هل دفن ؟"رد "لا ليس بعد لكن سيدفن بعد صلاة الظهر لذا علي ان اغادر "سالته بعد تردد "وابنه ؟اعني كيف هو ؟" ،ابتسم علي ورد "انه رضيع فاتن اسمه نضال انا احبه كثيرا ،انه بخير المسكين انه لا يعلم ما يدور حوله "وجد علي الفرصة سانحة لذا اطلق الرصاصة قائلا" كنت اخر من تكلم مع احمد وقد تركه في عهدتي ساهتم به انا ،والدتي تحبه كثيرا ومتعلقة به ،جدته لم تكن تحب كنتها كثيرا لذا لا اعتقد انها سترفض كانت تكرر دوما انه لا يشبه ابنها في شيء ،في كل الاحوال ان رفضت فهي لن ترفض وصية ابنها "صدمها الامر ان احمد ترك ابنها في عهدة قريبه فقالت "ووالدته" رد علي وقد فهم رفضها "لقد رحلت "سالته في تحد "وان عادت "،كان علي في حواره مع بثينة يسبقها بخطوة بينما كانت بثينة تغرق اكثر في الفخ فرد علي "لا اعتقد انها ستعود ،وان عادت سيكون هناك صراع على اشده فانا بالفعل احب الصغير وساجعله ابني ساستخدم كل الوسائل "شعر انه سيفعل ذلك واكثر انه بالفعل يحب ابنه ،وجد ان الامر صار يسيرا عليه ،وتغير وقع الامر عليه فنضال هو ثمرة حبه هو لبثينة كيفما اتخد هذا الامر من اشكال في البداية، فهو في النهاية يحبها ،ويحب ابنها ،فكر ان هو دغدغ مشاعر الامومة لديها فسيدفعها للخروج من مخبئها ،لقد صارت قليلة الحذر مؤخرا كثيرة الاخطاء ،فلو كان يريد اذيتها لكان قد انهاها باسرع ما يمكن ،وان استمر جهاز المخابرات بالبحث عنها فانه ستتم تصفيتها سريعا ،لقد تغيرت عن تلك الفتاة التى عرفها تلك الفتاة التى كانت تحسب كل خطوة كل كلمة قبل التحرك لقد تغيرت لانها امراة لانها ام لان لديها قلبا وهو سيحرك هذا القلب لجهته وسيكون درعها ليحميها من كل شيء حتى من نفسها ،تحول الامر الى تحد بالنسبة له ،فكر انها ستاتي للدفن وسترى ابنها ،هذا ان كان هو مجقا في تفكيره عنها ،فان تحركت قرر انه لن يمنعه شيء من دمج حياتها بحياته ،ان تحركت واخذت خطوتها فستكون اما غلبت عليها مشاعرها ،خطوة صغيرة لها لكنها كبيرة بالنسبة له انها خطوة الى الحياة لها وله ولابنهما ،لما لم ترد فكر انها توازن الامر في عقلها لذا قرر تركها على سجيتها بدون ضغوط اكثر فقال "ساذهب الان للدفن الى اللقاء "،كانت تدير الامر في عقلها من كل الجوانب فجاة عبر وميض عقلها ان علي هذا هو قريب احمد ،فكرت اين ومتى سمعت عنه ،تذكرت انه لم يحضر حفل زفافها جاءتها الذكرى من البعيد، من اعماق ذاكرتها ،تذكرت ان احمد قال انه في مهمة في الصحراء وقال انه يعمل مع الدولة ،فكرت انه يملك خيوطا في الجهاز ،جمعت النقاط في عقلها علي هذا كان قد قال شيءا عن عمله وعن صحوة ضميره وعن الخوف على عائلته ان اشتهر اسمه ،كانت النقاط متناسقة في عقلها ،انه لم يكذب عن مجال عمله ،لم يكذب على اسمه ،ان اسمه الحقيقي بالفعل علي ،لم تكن متاكدة فقط من انه حقا انسحب من العمل، فكرت الكاذب البارع هو الذي يخفي كذبته بين الحقائق ،تنساب الكذبة مع الحقيقة بشكل يجعلها تبدو حقيقة مسلمة ،فكرت ان كان كاذبا ،فلماذا يكذب عليها ما الذي يريده منها ان احتمال ان يكون كاذبا سيرافقه احتمال اخر كنتيجة حتمية انه يعرفها ،عقدت حاجبيها كيف سيعرفها كبثينة ام كزوجة احمد ،انتفضت ونظرت الى الرسالة الاخيرة التى تركها هل هذه مصادفة ام انه اراد اخباري بوفاة احمد ،هل يستدرجني ؟،حركت راسها يمينا ويسارا وقالت ان كل هذا لا يعجبني انه يخيفني بل يرعبني ،هل اهول الامر ؟لا غير ممكن اني فقط كثيرة الشكوك ،تساءلت هل الامر بسيط ام انها تريده ان يكون بسيطا ان ما يعنيه كل هذا سينتهي نهاية مرعبة ان كان حقيقيا ،سالت نفسها انها دوما كانت تاخد بالاحتمال الاسوء مرت علي عقلها فكرة ان توقع أسوء الأمور لأخذ الحيطة، وتوطين النفس على تحمل المشاق ليس من التشاؤم ،وقفت واخذت تسير في الغرفة ماذا ستفعل اي الاحتمالين هو الحقيقة ،منذ متى صارت تفكر في امكانية اخذ جانب الحذر من عدمه منذ متى تغيرت هكذا ،انها ليست بثينة التى كانت لقد صارت تدخل مشارعها في كل شاردة وواردة ،دوما كان عقلها المتحكم في قراراتها ماذا اصابها الان ،خفق قلبها فجاة وهي تتخيل صورة ابنها هناك نضال ، من بين هذه الفوضى التى تملا راسها خرجت فكرة كانت قد غفلت عنها انه يريد اخذ ابنها ،فجاة رمت نفسها على سريرها ،لقد ارهقها كل شيء تذكرت وجه احمد واجهشت بالبكاء لقد مات احمد ،فكرت وهي غارقة في الدموع كم هي انانية . كان على علي ان يغير من شكله قليلا ،لقد عرف من احمد انها لم تنس وجه مغتصبها وانه سكنها هاجس الانتقام ،انه لايريدها ان تعرف من هو الان سيخسر كل شيء ان علمت ،فكر وضع النظارت قد لا يكون كافيا تذكر انه لحظة راته كان حليقا ،انه لم يحلق من مدة اختفت معالم وجهه تحت شعر اللحية نظر الى المراة وهو يضع نظارات انه يبدو مختلفا قليلا لكنها ذكية انه لن يغامر سيراقب الامور من بعيد هذا افضل فان راته ستكون لمحة فقط وسيقوم بما عليه لذلك ،تهند اخيرا هذا ان اتت ،تمنى ان تاتي هذه كانت كل امنيته ،قطعت امه عنه تفكيره وهي تقول "كيف حالك ؟" كانت قلقة عليه بعد اخر كلام تبادلاه ،رد "انا بخير "واخذ عنها نضال وقال "لقد تعبت طول النهار وانت تحملينه "قالت "لا يمكني تركه في اي مكان فقط ولااحد منتبه لاحد لا يمكنني الثقة في احد غيري للاهتمام به "ابتسم علي انه تحبه لانها رابطة الدم انه جدته بالفعل ،تمكن اخيرا من فهم هذا التعلق العجيب بهذا الرضيع ،فكر وهو ينظر الى نضال انه بالفعل يشبهه،قبله وقال "انا احب هذا الصغير كثيرا "رد دليلة "وانا كذلك احسه كقطعة مني ،انه ليس الوقت المناسب لكن ساحضى بحفيد قريبا "قال "حقا "ردت "اجل اختك حامل ،انه تماما كما قالت زوجة احمد ان توقفت عن التفكير في حمل بناتي فانهن سيحملن "فكر علي "هل قالت ذلك ؟"لقد تغيرت نظرة علي لزوجة احمد ،شعر بالغرابة ،انها بثينة المراة الوحيدة التى اذابت جليد قلبه ،تذكر فجاة عندما قالت والدته ان شعرها دوما قصير ،فكر لما لم يفكر وقتها انه كان شعرا مستعارا ،كل تلك الصدف تعود الى ذهنه بشكل مغاير بعد ان عرف الحقيقة ،انها لا تزال تحتفظ بذلك الشعر البني الناعم الطويل تحت شعرها المستعار . في المقبرة وقف علي بعيدا قدر الامكان وتمكن من الاختباء بين الرجال ،انتظرها في المنزل لكنها لم تات للعزاء ،عرف انها لا تريد اثارة شوشرة وبلبلة فخالته ستهاجمها دون رحمة هو كان يعرف هذا كما كانت تعرفه هي ،لكنها لم تات الى المقبرة ،بعد ان دفن احمد فيس جو مهيب معبءبالحزن والالم غادر الرجال فكر بياس هل عليه ان يغادر معهم ،لا قرر ان ينتظر قليلا ،فجاة هاجمته ذكرى وفاة والد بثينة عندما ظل ينتظرها لوقت طويل في هذا المكان ،لكنه بدل من رؤيتها راى احمد ،عبس انه اليوم يدفن احمد ،شعر بالم في قلبه لوفاة احمد ،في الاونة الاخيرة تلعق به كثيرا ،كان شاكرا له محبته لبثينة واهتمامه بابنه واخباره الحقيقة عند لحظات احتضاره المؤلمة ،وقف خلف شجرة واتكا على جدعها وانتظر لوقت ،الى ان لمحها قادمة لم تكن متنكرة لم تكن تضع شعرا مستعارا ،كانت هي بثينة كما عرفها وكما حفرت في ذاكرته بشعرها البني الناعم ،كانت تضع قبعة جميلة على راسها وتركت شعرها ينساب تحته ،انها لم تقصه حتى ،خفق قلبه ،وجهها بدا ناعما رغم شحوبه كانت تضع نظارات سوداء فكر لعلها بكت طويلا ،كانت واقفة عند قبر احمد المحفور حديثا وغير بعيد عنها الا بامتار قليلة كانت الشجرة تخفي بجدعها علي ،شعر برغبة عظيمة في الاقتراب ،برغبة في ضمها اليه،اراد ذلك حد الالم ،تمكن بصعوبة من الصبر وحبس رغبته ودفنها ،لحظة صبر تمنع الف لحظة ندم فكر،واكتفى بمراقبتها من بعيد وهي تبكي عند قبر احمد

رواية قلب واحد لكاتبة مريم نجمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن