( 3) "ذات" بعمر 5 سنوات

29 6 20
                                    

كنت أطير من ورق سرب وقطاه **وللأسف ما صرت مثل أول أطير
كنت طفل صغير أحلامه فضاه**كبرت أحلامه عليه وهو صغير
الوجود يضيق من كل اتجاه** الأمل شكاك والصبر متطير
تلفت جروحي عليّ الإنتباه** جرحٍ يودع وجرحين يسير
***

كانت بنت صغيرة ذات خمس سنوات بريئة صافية، لا تتكلم كثيراً، تراقب من حولها، كانت تحب اللعب لوحدها، و احيانا مع اخوايها، ليس لديها صديقات، لا تطرح اسئلة، لا تطلب شيئا تريده كما الاطفال، كانت فقط كالمتوحدين، صامته تراقب بعينيها.
لم تفهم "ذات" لماذا تغير حالهم، لماذا فارقوا بيتهم القديم، لا تسأل فقط محتارة أو ربما متفاجأة ولكنها طفلة لا يمكنها الإستيعاب أن حياتهم تغيرت للأبد.
سألت نفسها: ما هذه الرمال الكثيرة؟! و لماذا هي وامها واختها محجوزين في صندوق صغير يتحرك؟! و من هم هؤلاء الرجال؟! وماذا يفعلون فوق السيارة الكبيرة التي لم ترى في حياتها القصيرة مثلها. تعبت من حرارة الطقس ولكنها لم تشتكي. افاقت يوما على صوت كلاب ليلا و هي مذعورة ماسكة يد امها والدموع في عينيها حتي خفّت الأصوات و نامت. ويوما أحست بالخطر و أنها لن ترى امها مرة اخرى عندما حجزوها مع اخوتها في غرفة بعض الرجال لا تدري لماذا؟!. صارت تختبئ خلف اخيها "حمزة" الذي كان يتمسك بها
و بـ"حسين" مذعوراً.
كأنها كانت في كابوس ستستفيق منه في أية لحظة. كانت تردد آية الكرسي كما علمتها امها أن تقولها قبل النوم. حتى فتّحت عينيها لتجد امها أمامها ملوحة لها أن تأتي إليها، حضنتها "ذات" كأن لم تحضنها من قبل، بكت "ذات" -وهي نادرا ما تبكي- ضغطت علي يد امها بقوة و نظرت لها معاتبة أو ربما خوفا من فقدانها مرة اخرى.
كان كل يوم مغامرة مخيفة بالنسبة لها و لأخوانها، صارت ملتصقة بأمها دائما، قابلت اناس كثر يلاعبونها، يسلمون عليها، يحملونها علي أكتافهم.. هي لم تتعرف عليهم. كانت تراقب عمها وهو يلاعب أطفال في مثل عمرها أو أكبر.
"ذات" كانت تحب عمها وتجلس بقربه كأنها تحس معه بحنان الأب الذي فقدته من ابيها، الوحيدة أمها "طيبة" هي التي كانت تعرفها جيدا تأتيها بالأكل حتى إذا لم تطلب تتحدث معها لتخرجها من وحدتها الغريبة، تلعب معها كصديقة مخلصة، ولكنها لا تعرف عن سر قوقعة ابنتها على نفسها بهذا الشكل.

عندما قابلت "ذات"جدتها وخالاتها تذكرت امها وهي تحكي لها عن سندريلا وزوجة ابيها وبناتها لا تدري لماذا، و لكن سندريلا عانت من زوجة ابيها و بناتها قبل أن تتزوج و تخلصت منهم بعد زواجها على عكس امها التي ضاقت المر بعد الزواج.
لم تحبهم ولم تقترب لجدتها التي تصيبها بالهلع عند رؤيتها، كانت تسمع كلمات لم يستوعبها عقلها الصغير، ولكنها تدرك أنها ليست بالجيدة. كانت تلعب مع خالها "الماحي" واخوتها، فهو الوحيد الذي يجلب لها الحلوى و يخرجها للتنزه و اكتشاف القرية التي لم ترى مثلها في بيتها القديم في الغربة.

بدأت تتجاوز شيئا فشيئا رحلتها المتعبة او كابوسها الواقعي. أو يمكن خزنتها في ذاكرتها لوقت غير معروف.
ولكن كل يوم كانت تتكدر و تستاء من خالتها"التاية" التي كانت تعامل امها اسوأ معاملة. حتى جاء ذلك اليوم الذى رأت فيها امها تبكي بحرقة و " التايه" تصرخ امامها.

توالت الايام و "ذات" ترى بيتا جديداً مرة اخرى صارت لا تتعجب ولا تهتم بالناس الذين يحاولون أن يخرجونها من عزلتها. ولكن ما لفت انتباهها " غنية" التي كانت تبتسم لها و تجلب لها البسكويت لتتقاسمه مع باقي اطفال البيت. شعرت "ذات" بالدفء في بيت "غنية"
وصارت تجري و تلعب و تلاشى إلتصاقها الدائم مع امها قليلا.
و مرت الايام و تحسنت نفسية "ذات" و اخوتها حتى امها كانت تراها تضحك مرات عديدة.
الي أن انتقلوا الى بيتهم و أحسوا بالأمان قليلا، وأخيرا صاروا لوحدهم، لا احد يصرخ عليهم، لن تضطر امها أن تعمل طوال اليوم لخدمة اناس لا تعرفهم، لن تخاف من وجوه تراقبهم بحِدة. صار لها سرير هي و اختها ولن تضطر أن تشعر بالضيق في نومها مع اخوتها في سرير واحد.

عندما دخل"حمزة"و "حسين" المدرسة شعرت "ذات" انها وحيدة اكثر من أي وقت آخر، خاصة بعد تم تسجيلها في صفها الأول، تتذكر ذلك اليوم جيدا بعد أن ودعتها امها أمام باب الفصل بعيون خائفة فهذه أول مرة تفترق عنها، تاركة إياها تواجه الدنيا لوحدها..
كانت مرعوبة من مواجهة الناس. تسمرت أمام الحائط تنظر للفتيات أمامها بقلق و خوف. فهي لم ترى هذه الكمية من البنات في مكان واحد.. كانت واقفة قرابة النصف ساعة حتى أتت معلمة اجلستها في مقعدها.

كان كل ما يخوف "ذات" البشر من حولها تخاف مواجهتهم، تقلق إذا جاءت فتاة لتكلمها فتظل صامتة، تراقب فقط حتى أن رهاب خوفها هذا جعلها لا تتقدم في دراستها كثيرا الا بمجهود والدتها.

ذاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن