(12) "ذات" و "أيمن"

17 3 0
                                    

سامحيني يا صغيرتي
فالحب لا أقوى عليه
فليس درباً من دروبي
ويوماً لم أسعى إليه
للحبِ أشياء غريبة
قد نصادف منها يوماً
قد تلاقي النفس لوماً
لكني دوماً
لن أقول بأنني يوماً أحب
فالحب ليس طريقتي
فسامحيني يا صغيرتي
اليوم أعرف أنكِ
تبغين شيئاً لايجول بخاطري
فلتغفري
ذنباً لقلبٍ يحتضر
ولنختصر كل الطرق
ولتمنحيني دمعةً
إن قالو ..
ماتت كل الدموع بمقلتي
وسامحيني صغيرتي ..
***

صارت تأكل معه في طاولة واحدة بعد شهر من الزواج، واحيانا تبتسم لحديثه، صارت تنتبه لملامحه كيف يضحك و طريقة كلامه وحركاته ، انتبهت لعينيه البنيتين، وجهه الهاديء، لحيته المهذبة التي تضيف نوعا من الوسامة لسحنته.. كان وسيما و صاحب كاريزما خاصة، سحراً يتخلل المكان بوجوده..
أتراها معجبة به أم معاملته لها أجبرتها على ذلك.

مضت الثلاث أشهر الأولى و "ذات" و "أيمن" يخرجا للعمل سويا و هو لشركته و هي للمستشفي و يرجعان في أخر النهار، يستقبلان الضيوف للمباركة، يخرجا لزيارة الأهل و الأقارب كعادة روتينية بعد الزواج لتتعرف "ذات" على أهله. حتي أنهما مكثا أسبوعا عند أمه بعد أن مرضت و تم ادخالها المستشفى، كانت "ذات" تشرف بنفسها على مدام"نعمات" لتتماثل للشفاء لتلاقي مدح نسيبتها و نسيبها على هذا الاهتمام الشديد، و إعجاب "أيمن" أيضا.

بعد أن رجعا إلي بيتهما في ذلك المساء دخلت "ذات"غرفتها أخذت حماما ساخنا لتريح جسدها من تعب ذلك الأسبوع، تاركة "أيمن" في الصالة يشاهد المباراة، خرجت "ذات" و هي تلف جسدها بمنشفة اتجهت مسرعة للخزانة لترتدي فستانا قبل يدخل "أيمن" كانت تحرص على اختيار فساتين محتشمة طويلة قدر الإمكان، و فجأة قبل أن تبدل وجدت "أيمن" خلفها وفي عينيه تلك النظرة تعرفها جيدا.. اقترب منها أمسكها من خصرها، شدها إليه، ارجع خصلاتها المبللة وراء أذنها، تفحص خدها، فمها، كاد أن يقبّلها لو لا أن "ذات" دفعته للأمام و هي ترجف و أنفاسها تتصاعد، جرّها مرة أخرى إليه وأحكم قبضته ليضعها على السرير، حاول أن يلتصق بها حتى سمعها تقول مغمضة العينين : ( لا لا يا خالو الماحي أرجوك توقف!، أرجوك توقف!، ليس مرة أخرى! أرجوك ...) بدأ جسدها بالإهتزاز من شدة الرجفة، دخلت في حالة كأنها تتشنج، ثم فقدت الوعي..

صُدم "أيمن" وهو يراها بهذه الحالة، أرتبك وهو يعدل جسدها المتشنج على السرير، ألبسها فستانا و غطاها و نزل مسرعا ليهاتف طبيب العائلة، مضت ساعتان و "ذات" على تلك الحالة حتى وصل الطبيب و كشف عليها، اخبر "أيمن" انها في حالة صدمة و انهيار عصبي و أن ضغطها مرتفع جدا وعليها أن تستريح و أن لا تتعرض لضغط نفسي و إن لم تتحسن حالتها عليه أن يدخلها المشفى.. غادر الطبيب بعد أن كتب وصفة طبية ببعض الأدوية لحالتها.. اسرع "أيمن" ليعطي الوصفة لأحد الحراس أمام الشقة و رجع لـ"ذات" متلهفا و نادما على ما فعله...

يومين و "ذات" فاقدة للوعي تهذي فقط بكلمات غير مفهومة تتخللها اسم "الماحي" و صباح اليوم التالي افاقت "ذات" لترى "أيمن" و هو ممسك بيدها مستلقي على كرسي بقرب سريرها، ويظهر على هيئته التعب و الإرهاق، سحبت يدها، تذكرت ما حدث، هاجمتها تلك الذكريات المؤلمة، بدأت الدموع تنهال على خدها واضعة يديها علي فمها لتكتم صراخها إلا أن "أيمن" استفاق بصراخها المكبوت، نظر لها بندم و قال: ( أنا اسف، ضغطتُ عليك، سامحيني، لم أكن اعرف..) لمس جبينها و تابع ( الحمد لله خفّت الحمى، سأساعدك لتأخذي حماما منعش هيا على مهلك..)
لم تتكلم "ذات" نهضت لوحدها رمقته بحِدة رافضة مساعدته دخلت الحمام تابعت بكائها فجراحها قد فُتحت، لم تكن تعلم أنها ضعيفة هكذا، كل تلك السنوات لم تنسيها شيئا و لم تستطيع أن تقوي نفسها، فهذه الندوب لن تلتأم ستظل تشعر بوخزئها دائما..
صار وضعها أسوأ تنام طيلة اليوم لتسهر بكوابيسها و الحمى تؤرقها. اعتاد "أيمن" الجلوس بقربها مواسياً لها، يعطيها الدواء، يضع الكمادات الباردة على جبينها، يقرأ قرآنا حتى تغفى.. ظلا على تلك الحال شهرا فقد أخد "أيمن" إجازة من عمله ليتفرق لها و ليستقبل أهلها و صديقاتها للإطمئنان على حالتها، لم يخبرهم بشيء سوى أنها اصيبت بحمى برد قوية و إن مناعتها ضعيفة كما أنها لا تأكل إلا قليلا، و تحتاج لراحة و مقويات لتتحسن. أصرت"طيبة" على المكوث معها حتى تتماثل للشفاء ظلت تقول إن عينا شريرة قد اصابتها تماما كما حدث معها في الماضي عندما انتهت من امتحانات الإبتدائية - فلأمهات لا ينسين لحظات ابنائهن الصعبة..

ذاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن